Showing posts with label سير حياة القديسين. Show all posts
Showing posts with label سير حياة القديسين. Show all posts

سيرة حياة القديس مقاريوس الكبير

القديس مقاريوس الكبير
(الأنبا مكاريوس الكبير أو الأنبا مقارة | أبو مقار الكبير)

القديس مقاريوس أو الأنبا مقار الكبير أو الأنبا مكاريوس الكبير (حوالي سنة 300-390 م.) هو مؤسس الرهبنة في برية الاسقيط، ويُطلَق عليه القديس الأنبا مقار الكبير، تمييزًا له عن القديس مقاريوس الصغير الإسكندري الذي كان مُعاصِرًا له.  وهو أحد الثلاث مقارات القديسين. تأثر جدًا بالعظيم أنبا أنطونيوس، وقد زاره علي الأقل مرتين.

دعاه المؤرخ سقراط "الإناء المختار"، بينما قال عنه بالاديوس: "تأهل لنوال نعمة الإفراز هكذا حتى رعي الشيخ الشاب، وقد نال موهبة شفاء المرضي ومعرفة أسرار المستقبل".

نفاه الأسقف الأريوسي لوقيوس إلي جزيرة في النيل بناء علي منشور صدر من الإمبراطور فالنس خوله هذا الحق. وكان القديس في سن متأخرة، وقد تنيح بعد عودته إلي البرية بوقتٍ قصيرٍ.

نشأته وزواجه:

وُلد هذا القديس في شبشير من أعمال منوف من أبوين صالحين بارين، اسم أبيه إبراهيم ولم يكن له ولد. فحدث في إحدى الليالي أن أبصر شخصًا من قِبَل الرب يقول له أن الرب سيرزقه ولدًا يكون ذكره شائعًا في أقطار الأرض ويُرزَق أبناء روحانيين. وبعد زمن رُزِق ولدًا فسماه مقاره أي الطوباوي، وكان مطيعًا لوالديه وقد حلت عليه نعمة الله منذ صغره.

أقيم مقاريوس الشاب المحبوب من الكهنة ومن شعب القرية قارئًا "أغنسطس".

ولما كملت قامته زوجه والده بغير إرادته فتظاهر بالمرض أيامًا، ثم استسمح أباه أن يمضي إلى البرية لتبديل الهواء فسمح له. فمضى وصلى إلى الرب يسوع أن يساعده على عمل ما يرضيه، فلما صار في البرية أبصر رؤيا كأن كاروبًا ذا ستة أجنحة قد أمسك بيده وأصعده على رأس الجبل وأراه كل البرية شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا، وقال له: "يقول لك الله أنه منحك أنت وأولادك هذا الجبل كله لتكرس كل وقتك للعبادة. كثير من القادة يأتون إلي هذه البرية. اسهر وتذكر ما أقوله لك: إن سلكت بكمال أظهر لك وأعلن لك كلمات الله?" وقد قيل أن الكاروب صحبه كل حياته تقريبًا".

لما عاد من البرية وجد زوجته قد ماتت وهي بعد عذراء، فشكر السيد المسيح كثيرًا. وبعد ذلك مات أبواه فوزع كل ما خلَّفاه له على المساكين، ورأى أهل شبشير طهره وعفافه فأخذوه إلى أسقف أشمون فرسمه قسًا عليهم، وبنوا له موضعًا خارج البلد وكانوا يأتون إليه ويتقربون منه، وعينوا له خادمًا ليبيع له شغل يديه وقضاء ما يحتاج إليه.

بعد فترة قصيرة من سيامته كاهنًا ذهب إلى قرية أخري إذ حسب نفسه غير أهل للكهنوت ولتكريم شعبه له. تذكر بعض المخطوطات أنه لم ينل نعمة الكهنوت إلا بعد ذهابه إلي الإسقيط.

في الإسقيط:

لما رأى الشيطان تعاليمه في الفضيلة جلب عليه تجربة شديدة، وذلك أنه أوعز إلى فتاة كانت قد ارتكبت شرًا مع شاب بأن تدَّعي بأن القديس مقاريوس هو الذي أتى معها هذا الشر. فلما علم أهلها بذلك أهانوه وضربوه ضربًا موجعًا فتحمله وهو صامت. ولما داهم الطلق هذه المرأة لتلد لبثت أربعة أيام معذبة ولم تلد حتى اعترفت بكذبها على القديس، وذكرت اسم الشاب الذي أغواها. فلما رأى ذلك أهل الفتاة توجهوا إليه يستغفرونه عما حصل منهم له، فهرب منهم تنكرًا لمجد العالم، وكان له من العمر وقتئذ 30 عامًا، وإذ فكر ألا يعود إلى قلايته ظهر له ملاك الرب وسار معه يومين حتى وصلا إلى وادي النطرون، ثم قال له القديس: "حدد لي يا سيدي مكانًا أسكن فيه"، فأجابه: "لا لئلا تخرج منه فيما بعد فتكون مخالفًا لقول الرب، بل البرية كلها لك فأي موضع أردت أسكن فيه". فسكن في البرية الداخلية حيث الموضع الذي فيه دير القديسين مكسيموس ودوماديوس وهو المعروف الآن بدير البراموس.

لما ذهب لزيارة القديس أنطونيوس قال عنه حينما رآه: "هذا إسرائيلي حقًا لا غش فيه"، ثم ألبسه الإسكيم المقدس وعاد مكانه. ولما تكاثرت عنده الأخوة بنى لهم كنيسة وذاع صيته وسمع به الملوك لكثرة العجائب التي كان يعملها. وظهر له ملاك الرب وأتى به إلى رأس الجبل عند البحيرة الغربية المالحة الماء وأعلمه أن يتخذ له هذا المكان مسكنًا، وبنى له قلاية وكنيسة لأن شعبًا كثيرًا سيجيء إليه.

حبه للوحدة:

أكد القديس مقاريوس أن برية الاسقيط تفقد قيمتها الرهبانية عندما تدخل إليها المدنية. قال: "عندما ترون القلالي اتجهت نحو الريف، اعرفوا أن نهاية الإسقيط قد اقتربت. وعندما ترون أشجارًا فاعلموا أنها علي الأبواب. وإذا رأيتم أطفالًا احملوا ثيابكم الجلدية واهربوا".

حتى في برية الاسقيط اعتاد القديس مقاريوس أن يهرب من ازدحام الشعب. ويخبرنا بالاديوس أنه حفر سردابًا تحت الأرض يمتد من قلايته إلي حوالي نصف ميل وينتهي بمغارة صغيرة. فإذا ما جاءت إليه جموع كثيرة يترك قلايته سرًا إلي المغارة فلا يجده أحد. وقد أخبرنا أحد تلاميذه الغيورين أنه اعتاد أن يتلو 24 صلاة في طريقه إلى المغارة و24 صلاة في العودة.

رجل الحب:

اكتشف القديس مقاريوس أن الفهم الحقيقي للتوحد ليس هو مجرد العزلة عن البشر، بل هو الرغبة الصادقة للاتحاد مع الله محب البشر. المتوحد الحقيقي يهرب بالجسد عن البشر لكنه عمليًا يحب كل إنسان.

كان روح الحب والحنو يسود بين رهبانه كانعكاس لحب القديس لهم. وقد روي لنا روفينوس قصة عنقود العنب الذي قُدم للقديس فقدمها بدوره لراهبٍ مريضٍ، وعبر هذا العنقود من راهبٍ إلى آخر في كل القلالي دون أن يمسه أحد منهم ليقدمه للغير.

عُرف القديس بسمته الخاصة بستر الخطايا فقيل عنه: "صار إلهًا علي الأرض، فكما أن الله يحمي العالم ويحتمل خطايا الناس هكذا كان الأب مقاريوس يستر الأخطاء التي رآها أو سمعها كأنه لم يرَ أو يسمع شيئا".

بحبه كسب وثنيين للإيمان، فقد جاء عنه أنه إذ كان ذاهبًا من الإسقيط إلي نتريا مع تلميذه سبقه التلميذ الذي التقي بكاهن للأوثان كان يجري. فقال له التلميذ: "إلي أين أنت تجري أيها الشيطان؟" فاستدار الكاهن وصار يضربه حتى تركه بين حي وميت. وإذ التقي بالقديس مقاريوس مدحه القديس: "لتصحبك المعونة يا رجل النشاط". دُهش الكاهن ونُخس قلبه ولم يترك القديس مقاريوس حتى جعله راهبًا.

ذات يوم ذهب الأب مكاريوس ليقطع الخوص، وكان الأخوة معه. فقالوا له في اليوم الأول: هلمّ وكل معنا يا أبانا،. فمضى وأكل. وفي اليوم التالي طلبوا منه أن يأكل معهم أيضًا. فأبى أن يأكل، وقال لهم: "أنتم تحتاجون إلى الطعام يا أولادي، لأنكم ما تزالون جسدًا، لكن أنا لا أريد أن آكل الآن".

زار الأب مكاريوس الأب باخوميوس الطابنسيني، فسأله باخوميوس: عندما يكون عندنا إخوة بطّالون، هل يحسن أن نعاقبهم؟ أجابه الأب مكاريوس: عاقب واحكم بعدل من هم تحت أمرك ، لكن لا تدن أحدًا من خارج، لأنه قد كتب: "أنتم ألا تدينون الذين هم من داخل، أما الذين من خارج، فالرب يدينهم؟" (1 كور12:5).

كان الأب مقاريوس يزور أجد الإخوة يوميًا لمدة أربعة أشهر. فلم يجده ولا مرة قد فرغ من الصلاة، فتعجب وقال له: أنت ملاك أرضي حقًا.

مواهبه:

تشير الأبوفثجماتا باتريم "أي أقوال الآباء" إلى صراعه ضد الشياطين. كما روى لنا بالاديوس عن إقامته ميتًا لكي يهدي هرطوقيًا لا يؤمن بقيامة الأجساد. ونال موهبة صنع المعجزات.

القديس مقاريوس والمرأتان :

طلب يومًا من الرب أن يريه من يضاهيه في سيرته، فجاءه صوت من السماء قائلًا: "إنك إلى الآن لم تبلغ ما بلغت إليه امرأتان في مدينة الإسكندرية"، وسأل حتى وصل إلى منزلهما، فلما دخل رحبتا به وغسلتا قدميه، ولما استعلم منهما عن سيرتهما قالت له إحداهما: "لم تكن بيننا قرابة جسدية، ولما تزوجنا هذين الأخوين طلبنا منهما أن يتركانا لنترهَّب، ولما لم يسمحا لنا عاهدنا أنفسنا أن نقضي حياتنا بالصوم إلى المساء والصلاة الكثيرة. وقد رُزِقت كلٍّ منا بولد، متى بكى أحدهما تحضنه الواحدة وترضعه حتى وإن لم يكن ولدها، ونحن في عيشة واحدة ووحدة الرأي رائدنا واتحاد القلوب غايتنا، وعمل زوجينا رعاية الغنم ونحن فقراء ونكتفي بقوت يومنا وما يتبقى نوزعه على المساكين". فحينما سمع القديس هذا الكلام هتف قائلًا: "حقًا إن الله ينظر إلى استعداد القلوب ويمنح نعمة روحه القدوس لجميع الذين يريدون أن يعبدوه"، ثم ودعهما وانصرف راجعًا إلى البرية.

كان بأوسيم راهب قد أضل قومًا بقوله أنه لا قيامة للأموات، فحضر إلى القديس مقاريوس أسقف أوسيم وشكا إليه أمر هذا الراهب، فذهب إليه ولم يزل به حتى أرجعه عن ضلاله.

نياحته:

في يوم نياحته رأى القديسين أنطونيوس وباخوميوس وجماعة من القديسين والملائكة، وأسلم الروح بالغًا من العمر سبعًا وتسعين سنة وكان ذلك في اليوم السابع والعشرين من برمهات سنة 392 م.، وكان قد أوصى تلاميذه أن يخفوا جسده، فأتى قوم من أهل شبشير وسرقوا جسده وبنوا له كنيسة وضعوه نيف ومائة وستين سنة إلى ثم أرجعوه إلى ديره.

من أقواله:

إن كنت وأنت تنتهر أحدًا يتحرك فيك الغضب، فأنت تشبع هواك، ففي خلاص أخيك لا تخسر نفسك.

إن احتفظنا بتذكر الأخطاء التي ارتكبها الناس ضدنا، فإننا نحطم القدرة علي تذكر الله.

إن طول الروح هو الصبر... والصبر هو الغلبة... والغلبة هي الحياة... والحياة هي الملكوت... والملكوت هو الله.

البئر عميقة، ولكن ماءها طيّب عذب. الباب ضيّق، والطريق كَرِبَة، ولكن المدينة مملوءة فرحًا وسرورًا. البرج شامخ حصين ولكن داخله كنـــوز جليلة. الصوم ثقيل صعب، ولكنه يوصِّل إلى ملكوت السموات. فعل الصلاح عسير شاق، ولكنه ينجِّي من النار برحمة ربنا الذي له المجد.

قداسة البابا غبريال الخامس البابا الثامن والثمانون

قداسة البابا غبريال الخامس البابا الثامن والثمانون

تنبأ البابا متاؤس قبل نياحته بمن سيعتلى الكرسي البابوي من بعده، ولكن في زمرة الأحزان التي سادت عند انتقاله وافتقادهم له نسي الجميع ما قاله، وتذكر الجميع غبريال المترهّب بدير أنبا صموئيل القلموني -المعترف- وتمّت رسامته باسمه ولُقِّب الخامس وذلك في سنة 1409 م. في ولاية السلطان فرج بن برقوق.

بدأ حياته موظفًا ثم مال إلى الرهبنة، وفاق أترابه في فضائلها، خصوصًا الزهد والتقشف في المأكل والملبس. وظل على حاله بعد أن صار بطريركًا. وقد اعتاد هذا البطريرك أن يزور أبناءه سيرًا على الأقدام في رضى وفرح.

سيامة بطريرك إنطاكية:

من الأحداث الجديرة بالذكر في فترة حبريته، أن جاءه من إنطاكية كاهن اسمه باسيليوس بهنام بتوصية أن يرسمه البابا السكندري بطريركا لإنطاكية، وبالفعل تمّت الرسامة باسم مار أغناطيوس بهنام الأول وزوّده البابا الفقير بكل ما يحتاج إليه في سفره حتى دابته.

وساطته لدى أثيوبيا:

في مدة رئاسته فرغت خزينة البطريركية، فكان البابا يعتمد في قوته الضروري على أولاده. وكانت الكنيسة الأثيوبية قد قطعت معونتها للكنيسة المصرية في عهده.

في عام 1418 م. دعاه مجلس الحكومة المصرية وهدّده بالموت إن لم يمنع الأثيوبيين الذين تحت سلطته من مضايقة التجار المسلمين النازلين في أثيوبيا، فكتب للملك بالرغم من معاناته من الاضطهاد الشديد في مصر.

رعايته لشعبه:

لم تكن زيارات البطريرك لشعبه إلا للرعاية والتثبيت على الإيمان المستقيم، وقد زوّد شعبه بكتابات كثيرة في الطقوس الكنسية، بكل دقة لكي يسلّموها للخلف دون تحريف ويفسّرونها لهم.

بعد أن قضى في رئاسة الكهنوت حوالي ثماني عشرة سنة، انتقل إلى الأمجاد السمائية سنة 1427 م. ودفن بإكرام في كنيسة العذراء ببابليون الدرج في مصر القديمة.

نياحته:
ليس عجيبًا أن يؤرخ لتلك الفترة من غير القبط كثيرون، منهم الشيخ السخاوى الذي وصف لنا صورة ومشهد انتقال البابا غبريال ونقل صورة ناطقة لاختيار ورسامة البابا يوأنس الذي سمّاه "يونس"، وسمّاه أيضًا بلقب اليعقوبي والنصراني.

معلومات عن البابا بنيامين الأول البطريرك ال38

+ من بلدة برشوط محافظة البحيرة من أبوين تقيين غنيين.
+ ترهب بدير القديس قنوبوس بجوار الإسكندرية وكان ينمو في كل فضيلة حتى بلغ الكمال المسيحي.
+ قدمه أبوه الروحانى إلى البابا أندرونيقوس فرسمه البابا قسًا وسلمه أمور الكنيسة.
+ ولما اختير للبطريركية حلت عليه شدائد كثيرة وكان ملاك الرب قد كشف له عما سيلحق الكنيسة من شدائد وأمره بالهرب هو وأساقفته ففعل ذلك...
ومضى هو إلى برية القديس مقاريوس ثم إلى الصعيد.
+ وبعد خروجه بقليل وصل الإسكندرية المقوقس الخلقيدوني متقلدًا زمام الولاية والبطريركية من قبل هرقل الملك واضطهد المؤمنين كثيرًا.
+ وبعد قليل وصل عمرو بن العاص وغزا البلاد واستولى على مدينة الإسكندرية... ولما علم باختفاء البابا بنيامين طلب حضوره معطيًا إياه العهد والأمان والسلام فحضر الأنبا بنيامين بعد أن قضى ثلاثة عشرة سنة هاربًا.
+ وكان هذا الأب كثير الاجتهاد في رد غير المؤمنين إلى الإيمان وتنيَّح بسلام بعد أن أقام في الرياسة سبعًا وثلاثين سنة.
عيد نياحته في الثامن من شهر طوبه.
صلاته تكون معنا آمين.

السيرة كما ذكرت في كتاب السنكسار

نياحة البابا بنيامين الأول ال38 (8 طوبة)

في مثل هذا اليوم من سنة 656 م. تنيَّح الأب المغبوط القديس الأنبا بنيامين بابا الإسكندرية الثامن والثلاثون. وهذا الأب كان من البحيرة من بلدة برشوط وكان أبواه غنيين، وقد ترهب عند شيخ قديس يسمي ثاؤنا بدير القديس قنوبوس بجوار الإسكندرية. وكان ينمو في الفضيلة وحفظ كتب الكنيسة حتى بلغ درجة الكمال المسيحي. وذات ليلة سمع في رؤيا الليل من يقول له افرح يا بنيامين فإنك سترعى قطيع المسيح. ولما اخبر أباه بالرؤيا قال له أن الشيطان يريد أن يعرقلك فإياك والكبرياء، فازداد في الفضيلة.

ثم أخذه معه أبوه الروحاني إلى البابا اندرونيكوس وأعلمه بالرؤيا، فرسمه الأب البطريرك قسا وسلمه أمور الكنيسة فأحسن التدبير. ولما اختير للبطريركية حلت عليه شدائد كثيرة. وكان ملاك الرب قد كشف له عما سيلحق الكنيسة من الشدائد، وأمره بالهرب هو وأساقفته، فأقام الأنبا بنيامين قداسا، وناول الشعب من الأسرار الإلهية، وأوصاهم بالثبات علي عقيدة آبائهم وأعلمهم بما سيكون. ثم كتب منشورا إلى سائر الأساقفة ورؤساء الأديرة بأن يختفوا حتى تزول هذه المحنة. أما هو فمضي إلى برية القديس مقاريوس ثم إلى الصعيد. وحدث بعد خروج الأب البطريرك من الكنيسة أن وصل إليها المقوقس الخلقدوني متقلدا زمام الولاية والبطريركية علي الديار المصرية من قبل هرقل الملك فوضع يده علي الكنائس، واضطهد المؤمنين وقبض علي مينا أخ القديس بنيامين وعذبه كثيرا وأحرق جنبيه ثم أماته غرقا. وبعد قليل وصل عمرو بن العاص إلى أرض مصر وغزا البلاد وأقام بها ثلاث سنين. وفي سنة 360 للشهداء ذهب إلى الإسكندرية واستولي علي حصنها، وحدث شغب واضطراب للأمن، وانتهز الفرصة كثير من الأشرار فأحرقوا الكنائس ومن بينها كنيسة القديس مرقس القائمة علي شاطئ البحر وكذلك الكنائس والأديرة التي حولها ونهبوا كل ما فيها. ثم دخل واحد من نوتية السفن كنيسة القديس مرقس وأدلى يده في تابوت القديس ظنًا منه أن به مالًا. فلم يجد إلا الجسد وقد أخذ ما عليه من الثياب. وأخذ الرأس وخبأها في سفينته ولم يخبر أحدا بفعلته هذه. أما عمرو بن العاص فإذ علم باختفاء البابا بنيامين، أرسل كتابا إلى سائر البلاد المصرية يقول فيه. الموضع الذي فيه بنيامين بطريرك النصارى القبط له العهد والأمان والسلام، فليحضر آمنا مطمئنا ليدبر شعبه وكنائسه، فحضر الأنبا بنيامين بعد أن قضي ثلاثة عشرة سنة هاربا، وأكرمه عمرو بن العاص إكراما زائدا وأمر أن يتسلم كنائسه وأملاكها. ولما قصد جيش عمرو مغادرة الإسكندرية إلى الخمس مدن، توقفت إحدى السفن ولم تتحرك من مكانها فاستجوبوا ربانها واجروا تفتيشها فعثروا علي رأس القديس مرقس. فدعوا الأب البطريرك فحملها وسار بها ومعه الكهنة والشعب وهم يرتلون فرحين حتى وصلوا إلى الإسكندرية، ودفع رئيس السفينة مالا كثيرا للأب البطريرك ليبني به كنيسة علي اسم القديس مرقس. وكان هذا الأب كثير الجهاد في رد غير المؤمنين إلى الإيمان. وتنيَّح بسلام بعد أن أقام في الرياسة سبعا وثلاثين سنة.

صلاته تكون معنا. ولربنا المجد دائما أبديًا آمين.

St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

معلومات إضافية

جلس على كرسي الإسكندرية في أمشير سنة 338 ش. وسنة 622 م. في عهد هرقل قيصر بعد معلمه البابا اندرونيقوس. وجميع بطاركة الكرسي المرقسى قبل البابا بنيامين كانوا من الإسكندرية، وهو أول بطريرك أقيم في المدن والبلاد. وكان مسقط رأسه مريوط كما ذُكِر. وكانت حياته كلها سلسلة أوجاع وآلام، وقد وجه البطريرك التفاته نحو الأديرة التي خرَّبها الفرس أثناء تملكهم لمصر، واجتهد في تصليحها. فرمَّم عمارات أديرة برية شيهات بوادي النطرون، فبنى دير الأنبا بيشوي وأعاد إليه رهبانه، ولما نما عددهم وأخذوا قسطهم من الراحة، قصد بهم إلى دير أبى مقار، فرمَّموه وبنوا به كنيسة عظيمة دعوا البطريرك لتكريسها.

وكان مع البطريرك إنسان مملوء نعمة وحكمة اسمه أغاثو، وكان قسا في الكنيسة، وكان يطوف في الليل يثبت الأرثوذكسيين المختفين ويقضى حوائجهم ويناولهم من الأسرار المقدسة، وفي النهار كان يحمل على كتفه قفة فيها آلات النجارة، ويتظاهر أمام المضطهدين بأنة نجار حتى لا يعترضوا سبيله. فجعله البابا بنيامين وكيلا له في تدبير البيعة. وأصيب البابا بنيامين بمرض في رجليه استمر فيه سنتين وقبل نياحته أرسل مطرانا جديدا إلى الحبشة، ومعه راهب اسمه تكلا هيمانوت، وقد لحق البابا بنيامين بآبائه، وتنيَّح في اليوم الثامن من طوبة سنة 377 ش. وسنة 661 م. بعد أن جلس على كرسي البطريركية تسعا وثلاثون عامًا.

معلومات عن البابا اندرونيقوس البطريرك السابع و الثلاثين

تنيَّح الأب القديس الأنبا أندرونيقوس بابا الإسكندرية السابع والثلاثون. كان هذا الأب من عائلة عريقة في المجد. وكان ابن عمه رئيسا لديوان الإسكندرية، فتعلم وتهذب ودرس الكتب المقدسة وبرع في معرفة معانيها. ونظرا لعلمه وتقواه وتصدقه علي الفقراء رسموه شماسًا، ثم اتفق الرأي علي اختياره بطريركًا. وان لم يسكن الديارات كما فعل السلف الصالح، وظل في الإسكندرية طوال أيام رئاسته، غير مهتم بسطوة الملكيين. ولكن الجو لم يصفو له لأن الفرس قد غزوا بلاد الشرق وجازوا نهر الفرات، واستولوا علي حلب وإنطاكية وأورشليم وغيرها، وقتلوا وأسروا من المسيحيين عددا كبيرا. ثم استولوا علي مصر وجاءوا إلى الإسكندرية وكان حولها ستمائة دير عامرة بالرهبان فقتلوا من فيها ونهبوها وهدموها. فلما علم سكان الإسكندرية بما فعلوا فتحوا لهم أبواب المدينة ورأي قائد المعسكر في رؤيا الليل من يقول له قد سلمت لك هذه المدينة فلا تخربها، بل اقتل أبطالها لأنهم منافقون. فقبض علي الوالي وقيده. ثم أمر أكابر المدينة أن يخرجوا إليه رجالها من ابن ثماني عشرة سنة إلى خمسين سنة، ليعطي كل واحد عشرين دينارا وبرتبهم جنودا للمدينة. فخرج إليه ثمانون ألف رجل. فكتب أسماءهم ثم قتلهم جميعا بالسيف. وبعد ذلك قصد بجيشه الصعيد فمر في طريقه بمدينة نقيوس وسمع أن في المغائر التي حولها سبعمائة راهب فأرسل من قتلهم. وظل يعمل في القتل والتخريب إلى أن انتصر عليه هرقل وطرده من البلاد. أما الأب البطريرك فإنه سار سيرة فاضلة. وبعد ما أكمل في الرئاسة ست سنين تنيَّح بسلام. صلاته تكون معنا آمين.

St-Takla.org Divider فاصل - موقع الأنبا تكلاهيمانوت

معلومات إضافية

جلس على الكرسي بعد البابا انسطاسيوس في أمشير 332 ش. وسنة 616 م. في عهد هرقل قيصر. وكان عالِما غنيا جدا، محبا للصدقة، شماسًا في كنيسة الإنجيليين. وكان أهله من مقدمي المدينة. ومن أجل قوة سلطانه لم يقدر الهراطقة أن يخرجوه من الإسكندرية إلى الأديرة، فأذنت له الحكومة بالبقاء في الإسكندرية بغاية ما يكون من الحرية، فجلس في قلاية في بيعة الإنجيليين أيامه كلها. ولذلك عَمَّ السلام أروقة (جنبات) على الكنيسة المصرية طول حياته.

وفي نهاية فترته عرف شخص يدعى بنيامين من دير قنوبوس، وكان بنيامين يتزايد كل يوم في الفضيلة حتى كان وجهه يتلألأ كوجه ملاك، ولكثرة إعجاب معلمه به أخذه ومضى به إلى البابا اندرونيقوس. فلما رأى البابا نعمة السيد المسيح عليه أبقاه لديه، ثم رسمة قسيسا وصَيَّره وكيلا له، وفرح به فرحا عظيمًا. ولما دنت نياحته أوصى أن يكون بعده، ثم تنيَّح البابا اندرونيقوس بعد ما قضى على كرسي البطريركية ست سنين، ورأى اضطهاد الفرس الكريه للمسيحيين، وصبر على ما حل به. وتنيَّح شيخا وهو حافظ الأمانة الأرثوذكسية المستقيمة أمانة آبائه وكانت نياحته في 8 طوبة سنة 338 ش. وسنة 622 م.

سيرة حياة القديس مرقس الرسول

القديس مرقس الرسول

هو أول وأشهر الشهداء في مصر وهو يوحنا الملقب مرقس وينحدر أصله من اليهود الذين كانوا قاطنين بالخمس المدن الغربية المسماة "بنتابوليس" Pentapolis التي كانت تقع في منطقه برقه بشمال أفريقيا. وقد أنشأ اليونان هذه المدن فيما بين القرنين السابع والخامس الميلادي على حدود مصر الشمالية الغربية. وكان ميلاد القديس مرقس في مدينة القيروان التي تقع في إقليم ليبيا بهذه المنطقة. وكان مرقس منذ ولادته ينعم بما كان لأسرته من ثروة كبيرة وأراضي زراعية شاسعة ولذلك تمكن أبواه من أن يهيئا له أفضل سبل التعليم والثقافة. فأتقن اللغتين اليونانية واللاتينية، كما أتقن اللغة العبرية وتعمق في دراسة كتب التوراة والناموس اليهودي. غير أن بعض القبائل المتبربرة من البدو هجمت على أسرة مرقس في القيروان وهبتها -وكان ذلك في عهد الإمبراطور الروماني أغسطس قيصر- فاضطرت هذه الأسرة الكريمة إلى الهجرة، ومن ثم نزحت إلى فلسطين موطن أجدادها الأولين. وكانت قد استقرت هناك حين بدأ السيد المسيح ينادي ببشارته، وبذلك أتيح للقديس مرقس في حداثته أن يري السيد المسيح ويؤمن به ويصبح من تلاميذه. وكذلك تبعته أم مرقس واستضافته في بيتها. وصارت من النسوة اللاتي يخدمنه، كما كان بيتها هو أول كنيسة مسيحية في العالم، ولذلك كانت لهذه السيدة مكانه عظيمة بين المسيحيين الأوائل. وفي بيتها تناول السيد المسيح عشاءه الأخير مع تلاميذه عشية صلبه. وفيه كان يجتمع التلاميذ بعد قيامه السيد المسيح، حيث دخل عليهم وأظهر لهم نفسه. وفي هذا البيت حل الروح القدس عليهم. وحين خرج بطرس من السجن الذي وضعه فيه هيرودس مُزْمِعًا أن يقتله بسبب تبشيره بالمسيحية. ذهب بطرس مباشرة إلى ذلك البيت. والراجح أن مرقس هو الشاب الذي تبع ليلة تسليمه، إذ يقول في الإنجيل الذي يحمل اسمه:" وكان يتبعه شاب يلف جسده العاري بإزار فأمسكوه، فترك الإزار وهرب عاريًا" (مر 14: 51، 52).

وقد بدأ القديس مرقس كرازته مع بطرس الرسول في منطقة اليهودية، وفي جبل لبنان، وفي بيت عنيا، وفي مناطق من سوريا ولا سيما أنطاكيا حتى سنة 45 ميلادية – ثم كرز مع القديس بولس وبرنابا في رحلتهما الأولى في قبرص وفي باخوس، حتى إذا وصلوا إلى "برجه بمفيلية" تركهما هناك وعاد إلى أورشليم سنة 51 ميلادية. ثم ظهر في إنطاكية مرة أخرى بعد مجمع أورشليم واشترك مع القديسين. وبولس في تأسيس كنيسة روما. وبعد ذلك قصد القديس مرقس وحده إلى مسقط رأسه في شمال أفريقيا حيث بشر الخمس مدن الغربية وهي القيروان، وبرينيكي وبرقه وارسينوي وابولونيا.

وكانت هذه المدن في ذلك الحين تحت حكم الرومان، وكان شعبها خليطا من اليونايين والليبيين والرومان واليهود وكانت ذات عبادات وثنية وثقافة يونانية. وقد وصل القديس مرقس إلى هذه البلاد في نحو سنة 58 ميلادية. وهناك واظب على التبشير، وكانت تجري على يديه كثير من المعجزات، مما جذب إليه كثيرين من المؤمنين فيقول ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونيين في كتابه "تاريخ البطاركة" فلما عاد القديس مرقس من روما قصد إلى الخمس مدن أولًا، وبشر في جميع أنحاءها بكلام الله، واظهر عجائب كثيرة، حتى أنه أبرأ المرضي وطهر البرص وأخرج الشياطين، بنعمة الله الحالة فيه فآمن بالسيد المسيح كثيرون وكسروا أصنامهم التي كانوا يعبدونها وعمدهم باسم الآب والابن والروح القدس. وبعد أن قضي مرقس الرسول يبشر في الخمس المدن الغربية نحو تسع سنوات واتجه بعد ذلك إلى الإسكندرية سنة 61 ميلادي وكانت هي عاصمة مصر في ذلك الحين، كما كانت العاصمة الثقافية للعالم كله – وكانت مدرسة الإسكندرية الفلسفية الشهيرة هي مركز العلم والفلسفة في كل الإمبراطورية الرومانية. وقد كانت تزدحم بعدد عظيم من كبار العلماء كما كانت تزدحم مكتبتها الشهيرة بمئات الآلاف من الكتب النادرة والمخطوطات المتعمقة في كل العلوم، وكانت تلك المدينة الضخمة حينذاك تضم نحو مليون شخص من المصريين والرومان واليونان واليهود والفرس والأحباش وغير ذلك من الأجناس التي تعتنق عددا لا يحصي من ديانات الأمم مختلفة. وقد وقف مرقس وحيدًا أمام كل هذه الديانات والفلسفات يتأهب لأن يصارعها جميعًا وأن ينتصر عليها كلها.

وقد كان قدوم مرقس الرسول إلى الإسكندرية في الغالب عن طريق الواحات، ثم الصعيد ثم تقدم شمالًا نحو بابليون ويقال أنه في هذه الفترة كتب إنجيله باللغة اليونانية ثم غادر بابليون إلى الإسكندرية، وهو لا يفتأ يجول مبشرا في الطرقات – وكان حذاؤه قد تمزق فمال علي إسكافي في المدينة يدعي انيانيوس ليصلحه. وفيما الإسكافي يفعل ذلك دخل المِخراز في يده فأدماها، فصرخ قائلًا "ايس ثيئوس" أي "يا الله الواحد" فانتهز القديس مرقس هذه الفرصة واخذ يده فشفاها، ثم راح يبشر ه بذلك الإله الواحد الذي هتف باسمه وهو لا يعرفه، فآمن الإسكافي بكلامه ودعاه إلى بيته، وجمع له أقاربه وأصحابه فبشرهم بالمسيح وعمدهم فكانوا هم باكورة المؤمنين في مصر كلها.

فلما رأي الوثنيين بوادر نجاح الرسول في بشارته حنقوا عليه وراحوا يتربصون به الدوائر ليفتكوا به ولكنه واصل أداء رسالته غير عابئ بما يدبرون، فأقام إنيانوس أسقفًا، ورسم معه قسوسًا وشمامسة، وشيد أول كنيسة بالإسكندرية في الجهة الشرقية منها عرفت باسم "بوكاليا" وبذلك ازداد عدد المؤمنين زيادة كبري في وقت وجيز. وفي ذلك يقول المؤرخ السكندري يوسابيوس الشهير "كان جمهور المؤمنين الذين اجتمعوا هناك في البداية من الكثرة حتى أن الفيلسوف اليهودي فيلون وجده أمرًا جديرًا بالاهتمام أن يصف جهادهم واجتماعاتهم وتعزياتهم وكل طرق معيشتهم ويقول الأب شينو في كتابه "قديسو مصر" إن الحياة التي تدعوا إلى الإعجاب في مصر بعد الإيمان جعلت الفيلسوف اليهودي الشهير فيلون يؤكد فيما بعد أن الإسكندرية أعادت إلينا ذكر الأيام الأولى التي كانت لكنيسة أورشليم.

وقد أسس القديس مرقس بالإسكندرية مدرسة لاهوتية لتتصدي لتعاليم المدرسة الوثنية التي كانت هي الخلفية الطبيعية لمدرسة أثينا وكان يقوم بالتدريس فيها أكبر الفلاسفة الوثنيين في ذلك الحين.

وقد أقام مرقس الرسول القديس يسطس أول رئيس للمدرسة اللاهوتية، هو الذي صار فيما بعد سادس بابا للإسكندرية.

كما أن القديس مرقس وضع القداس الإلهي للصلوات الكنسية وهو المعروف بالقداس المرقسي والكيرلسي نظرا لان البابا كيرلس الأول هو الذي دونه بعد أن كان رجال الكنيسة يتسلمونه بعضهم من بعض شفهيا. فلما رأى الوثنيين بوادر نجاح الرسول في بشارته اشتد حنقهم عليه وراحوا يتربصون به ليقتلوه. ولكنه واصل أداء رسالته غير عابئ بما يدبرون ثم اعتزم أن يترك مصر بعض الوقت ويعود ليفتقد أولاده من المؤمنين في الخمس مدن الغربية ثم مضي منها إلى أفسس حيث تقابل مع القديس تيموثاوس، ثم اتجه إلى روما تلبية لدعوة القديس بولس الرسول، وبقي معه هناك حتى استشهاده في سنة 68م، وبعد ذلك عاد إلى مصر واستأنف فيها عمل الكرازة وقد كان عدد المؤمنين لا يفتأ يتزايد تزايدا عظيما. فلما كثر عدد المؤمنين وتوطدت دعائم الكنيسة التي أسسها تغلغل الحقد في قلوب الوثنيين عليه واضمروا الغدر به، حتى إذا كان عيد القيامة المجيد في 26 ابريل سنة 68م الذي يوافق 30 برمودة بالتقويم المصري القديم وكان المسيحيون يحتفلون بهذا العيد في كنيسة بوكاليا وقد تصادف أن كان ذلك اليوم هو نفسه يوم الاحتفال بعيد الإله الوثني، وقد تدفقت جموع الوثنيين للاحتفال بهذا العيد، فلما علموا أن القديس مرقس يحتفل بعيد القيامة في الكنيسة مع شعبه حتى اندفعوا إلى الكنيسة في جموع ساخطة وهجموا على القديس ووضعوا حبلا في عنقه وألقوه على الأرض وراحوا يسحلونه في طرقات المدينة وساحاتها وهو لا يفتأ يرتطم بالأحجار والصخور حتى تناثر لحمه ونزف دمه واستمروا يفعلون به هكذا طوال النهار، حتى إذا خيم الليل ألقوا به في السجن. وفي ظلام ذلك السجن ظهر له السيد المسيح في نور عظيم وشجعه وقواه وهو يخاطبه قائلًا (يا شهيدي الأمين) واعدا إياه بفردوس النعيم، ولذلك أصبح لقب القديس مرقس المعروف به في طقوس الكنيسة وصلواتها هو (ثيورديموس) أي (ناظر الإله) ثم في فجر اليوم التالي عاد الوثنيين إلى القديس مرة أخرى، وربطوا عنقه أيضًا بحبل غليظ، ثم راحوا يسحلونه كذلك في كل طرقات الإسكندرية حتى اسلم الروح. على أن موت القديس لم يهدئ من ثائرة الوثنيين وحقدهم فاعتزموا حرق جثته بعد موته إمعانا في التنكيل به والتشفي منه وبالفعل جمعوا كومه عظيمة من الحطب واعدوا نارا للمحرقة، غير أنه حدث في اللحظة التي أوشكوا فيها أن يلقوا الجسد في النار أن هبت عاصفة مصحوبة بمطر غزير فانطفأت النار وتفرق الشعب وعندئذ أسرع جماعة من المؤمنين فأخذوا الجسد وحملوه إلى كنيسة (بوكاليا) ووضعوه في تابوت ثم صلي عليه خليفته القديس إنيانوس مع الإكليروس والشعب ودفنوه في قبر نحتوه في الجانب الشرقي من الكنيسة أطلقوا عليها اسم كنيسة القديس مرقس، وتحتفل الكنيسة القبطية في كل الأنحاء بذكري استشهاد القديس يوم 30 برمودة من كل عام وقد كان استشهاده في الثامنة والخمسون من عمره.

وقد ظل جسد القديس مرقس في تابوته حتى سنة 644م في كنيسة بوكاليا بالإسكندرية، وكانت تطل على الميناء الشرقي للمدينة. فلما وقع الانشقاق العقيدي في مجمع خلقدونية سنة 450 م. تعرضت الكنيسة القبطية التي تؤمن بالطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة للسيد المسيح لاضطهاد عنيف من أصحاب بدعه الطبيعتين والمشيئتين الذين أطلق عليهم لقب الملكيين لأنهم اعتنقوا مذهب الملك الروماني واستولي أولئك الملكيون على الكنائس القبطية ومنها كنيسة القديس مرقس بالإسكندرية وبداخلها جسد القديس وظلت تحت سيطرتهم حتى سنة 644 م. وفي هذه السنة التي تم فيها الفتح العربي لمصر بقياده عمرو بن العاص، حاول أحد البحارة سرقة رأس القديس بعد أن فصلها عن الجسد وخبأها في سفينة معتقدًا أنها تخص رجلًا عظيمًا ولكن حين تحرك أسطول عمرو بن العاص وخرج كله من الميناء حدث أن السفينة التي تحمل رأس القديس ثبتت في مكانها ولم تشأ أن تتحرك علي الرغم من كل ما بذله البحارة من المحاولات، فأدركوا أن في الأمر سرا ومن ثم أصدر عمرو بن العاص أمره بتفتيش السفينة. فلما أخرجوا الرأس تحركت السفينة على الفور. فاستحضر عمرو بحار السفينة واستجوبه، فلما علم أنه سرق هذا الرأس من الكنيسة استدعى القديس بطرس بطريرك الأقباط وسلمه الرأس كما وهبه عشرة آلاف دينار لبناء كنيسة لصاحب هذا الرأس الذي له كل هذه الكرامة. وبالفعل تم بناء الكنيسة بالإسكندرية وهي المعروفة بالمعلقة بالقرب من المسلة الأثرية، وقد استقر الرأس فيها حتى القرن السادس، بينما كان جسد القديس مرقس راقدًا في كنيسة بوكاليا التي كانت لا تزال تحت سلطان الرومان الملكيين وقد ظل الجسد في هذه الكنيسة حتى حدث في نحو عام 815 م. وبعدها بسنوات قليلة أن احتال بعض البحارة من أهل البندقية وسرقوه ونقلوه إلى مدينتهم حيث ظل بها واهتم حاكم البندقية جستنيان ببناء هيكل فخم جميل ووضع فيه الجسد، غير أن هذا الهيكل احترق سنة 977م. فجدد عمارته الدوق بطرس ارسيلوا، ثم أقيمت للجسد كنيسة تعتبر من أضخم وأفخم كنائس العالم وهي كنيسة القديس مرقس بالبندقية وقد بدأ في بناءها سنة 1052 م. ولم يتم بناؤها إلا في القرن الثامن عشر للميلاد وقد تباري في بنائها وزخرفتها أعظم واقدر مهندسي وفناني العالم فخرجت تحفه بديعة رائعة. أما رأس القديس مرقس فقد ذكرنا أن البابا بنيامين الثامن والثلاثين بدأ في بناء كنيسة لتوضع فيها الرأس. غير أن الرومان بدأوا يحاولون الاستيلاء على الرأس أيضًا. حتى أخذها الأقباط المؤمنين وخبأها في دير القديس مكاريوس ببريه شيهيت حوالي سنة 1013م. ثم في خلال القرن الحادي عشر وحتى القرن الرابع عشر تتابع نقل رأس القديس إلى كثير من بيوت أغنياء الأقباط لإخفائها عن الولاة العرب الذين كانوا لا يفتأون يفتشون عنها ليقسروا على دفع مبالغ ضخمة لاستعادتها فكانوا لا يعلمون أن رأس القديس موجودة بأحد بيوت سراة الأقباط حتى يقبضوا عليه ويضربوه ويهينوه ويفرضوا عليه مبلغًا فاحشًا من المال فإذا اضطر إلى دفعه تركوا الرأس له وإذا رفض وعجز نكلوا به وأوثقوه والقوة في السجن وقد تكرر هذا مرارًا كثيرة، وحتى تم أخيرًا بناء مدفن خاص لرأس القديس في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية في القرن الثامن عشر ووضع فيه داخل صندوق من الرخام. وذلك منذ أيام البابا بطرس السادس.

و قد ظل جسد القديس مرقس راقدًا في كاتدرائيته العظمى في البندقية منذ سنة 828 م. حتى طلب البابا كيرلس السادس بطريرك الأقباط الأرثوذكس من بابا روما إعادة الجسد إلى موطنة الأصلي في مصر وكان ذلك بمناسبة الاحتفال بمرور تسعة عشر قرنًا على استشهاد القديس، وكذلك بمناسبة تأسيس الكاتدرائية المرقسية الكبرى بأرض الأنبا رويس بالعباسية بالقاهرة لتكون مقرًا للجسد المقدس وفي يوم 24 يونيو سنة 1968 ميلادية عاد الوفد الذي أوفده البابا كيرلس السادس لإعادة الجثمان إلى مصر، ومعه أعضاء البعثة التي أوفدها بابا روما يحملون الرفات المقدس. وكانت في هذه الأثناء أجراس الكنائس تدق في القاهرة كلها ابتهاجًا بهذه المناسبة الرائعة.

ثم في الساعة السادسة من صباح يوم الأربعاء 26 يونيه سنة 1968م بدأ الاحتفال الديني الطقسي بافتتاح الكاتدرائية المرقسية الجديدة بدير الأنبا رويس بالعباسية بالقاهرة، فجاء قداسة البابا كيرلس السادس بسيارته يحمل صندوق رفات القديس مرقس الرسول من الكاتدرائية المرقسية بالأزبكية التي ظل موضوعًا بها منذ ثلاثة أيام وتقدم الموكب يحف به المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة إلى أن صعد البابا إلى الكاتدرائية الجديدة، ووضع الصندوق بكل إجلال على مائدة خاصة في شرقية الهيكل، وبدأت مراسم القداس الحبري الحافل الذي خدمه قداسة البابا كيرلس السادس واشترك معه مار أغناطيوس يعقوب الثالث بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس وعدد من المطارنة الأقباط والأثيوبيين والسريان والهنود الأرمن الأرثوذكس، وحضرة الإمبراطور هيلاسلاسى الأول إمبراطور أثيوبيا والكاردينال دوفال رئيس البعثة البابوية الرومانية وكثير من رؤساء الأديان والمطارنة والأساقفة ورجال الدين من مختلف بلاد العالم ونحو عشرة آلاف من الشعب وما أن انتهى القداس حتى نزل البابا كيرلس يحمل الرفات ومعه الإمبراطور وبطريرك السريان الأرثوذكس ورؤساء الكنائس في موكب كبير واتجه إلى مزار القديس مرقس الذي كان قد سبق إعداده تحت المذبح الرئيسى للكاتدرائية وأوضع الصندوق المزخرف في القبر الرخامي وغطس بلوحة رخامية كبيرة وسط الترتيل والأناشيد. وقد اشتهر القديس مرقس الذي أسس كنيسة الإسكندرية بلقب ظل يطلق علية على مدى التاريخ القبطي كله وهذا اللقب هو "كاروز الديار المصرية ورئيس بطاركة كرسي الإسكندرية العظمى".

و قد اشتهر أسم القديس مرقس على مدى التاريخ المسيحي والقبطي فأصبح يطلق بعده على كثير من البطاركة والأساقفة والكهنة والرهبان والكنائس باعتباره هو كاروز الديار المصرية ومؤسسها.

أ- فمن بطاركة الأقباط الأرثوذكس أطلق اسم هذا القديس على سبعة منهم وهم البابا مرقس الثاني البابا 49 - البابا مرقس الثالث البابا 73 - البابا مرقس الرابع البابا 84 - البابا مرقس الخامس البابا 98 - البابا مرقس السادس البابا 101 - البابا مرقس السابع 106 - البابا مرقس الثامن 108.

ب- أما الأساقفة الذين أطلق عليهم اسم القديس مرقس فكانوا كثيرين جدًا، لم يخل منهم عهد ومكان ومن أمثلة ذلك انه عندما قام البابا بنيامين وهو الثاني والثمانون بصنع الميرون شاركه في ذلك اثنا عشر أسقفًا كان منهم أربعة باسم مرقس. وفي عهد البابا ديمتريوس الثاني (111) كان وكيل الكرازة المرقسية وهو الأنبا مرقس مطران البحيرة. كما كان يوجد بهذا الاسم الأنبا مرقس مطران أبو تيج. ويوجد حاليًا نيافة الأنبا مرقس الأسقف الأرثوذكسي لمرسيليا وطولون بفرنسا، إلخ..

ج- أما الكهنة والرهبان والنساك الذين يحملون اسم القديس مرقس فعددهم عظيم جدًا يصعب حصره. وقد بنيت كنائس كثيرة في أنحاء مصر باسم القديس مرقس فأندثر بعضها وبقيت آثار البعض الآخر.

من أقاصي الأرض خرج منطقهم وإلى أقصى المسكونة بلغت أقوالهم.

القديس اغناطيوس اسقف انطاكية

وُلد إغناتيوس (إجناتيوس، إجناطيوس) حوالي عام 30 م.، قيل أنه نشأ في سوريا. يرى البعض أنه الطفل الذي حمله السيد المسيح مقدمًا إياه مثلًا للتواضع (مت 18: 2-4).

إذ رأى الرسل فيه غيرته المتقدة رسموه أسقفًا على إنطاكية، وقد اختلف البعض في شخصية من سامه، فيرى البعض أن الرسول بطرس سام أفوديوس على اليهود المتنصرين والرسول بولس سام أغناطيوس على الأمم المتنصرين... وأنه لما تنيح الأول تسلم أغناطيوس رعاية الكنيسة بشطريها. على أي الأحوال اتسم بغيرته على خلاص النفوس فكسب الكثير من الأمم للسيد المسيح.

اتسم بحبه الشديد لشعبه كما يظهر من حديثه مع مستقبليه في أزمير أثناء رحلته إلى روما للاستشهاد، إذ كان يذكر أمام مستقبليه شعبه ويطلب إليهم الصلاة من أجلهم.

وضعه نظام التسبحة:

قيل إنه رأي في رؤيا الملائكة تسبح ممجدة الثالوث القدوس، فنقل النظام الذي لاحظه إلى الكنيسة الإنطاكية، حيث انتشر بعد ذلك بين بقية الكنائس.

لقاؤه مع تراجان:

إذ سمع عنه تراجان من جهة غيرته على انتشار المسيحية استدعاه، ودخل معه في حوار من جهة "يسوع المصلوب"، انتهى بإصداره الأمر بأن يقيد أغناطيوس القائل عن نفسه أنه حامل في قلبه المصلوب، ويُقاد إلى روما العظمى، ليقدم هناك طعامًا للوحوش الضارية، إرضاءً للشعب.

إذ سمع الأسقف بذلك ابتهج جدًا، إذ جاءت الساعة التي طالما ترقبها، وحسب هذا الأمر الإمبراطوري أعظم هدية قدمت إليه، إذ جثا وصرخ مبتهجًا: "أشكرك أيها السيد الرب، لأنك وهبتني أن تشرفني بالحب الكامل نحوك، وسمحت لي أن أُقيد بسلاسل حديدية كرسولك بولس". ولما صلى هكذا قبّل القيود، متضرعًا إلى الله أن يحفظ الكنيسة، هذه التي ائتمنه الرب عليها ليخدمها حوالي 40 عامًا.

إلى روما:

خرج القديس في حراسة مشددة من عشرة جنود، وقد صاحبه اثنان من كنيسته هما فيلون وأغاتوبوس.

إذ رأى الجند حب الشعب له والتفافهم حوله عند رحيله تعمدوا الإساءة إليه ومعاملته بكل عنف وقسوة، حتى دعاهم بالفهود بالرغم من لطفه معهم، وما دفعه الشعب لهم كي يترفقوا بأسقفهم. وصلوا إلى سميرنا حيث استقبله القديس بوليكربس أسقفها كما جاءت وفود كثيرة من كنائس أفسس وتراليا وماغنيزيا، فاستغل الفرصة وكتب رسائل لهذه الكنائس كما كتب رسالة بعثها إلى روما إذ سمع أن بعض المؤمنين يبذلون كل الجهد لينقذوه من الاستشهاد، جاء فيها: [أخشى من محبتكم أن تسببوا لي ضررًا...

صلوا ألا يوهب لي إحسان أعظم من أن أقدم لله مادام المذبح لا يزال مُعدًا...

أطلب إليكم ألا تظهروا لي عطفًا في غير أوانه، بل اسمحوا لي أن أكون طعامًا للوحوش الضارية، التي بواسطتها يوهب لي البلوغ إلى الله. إنني خبز الله. اتركوني أُطحن بأنياب الوحوش لتصير قبرًا لي. ولا تترك شيئًا من جسدي، حتى إذا ما متّ لا أُتعب أحدًا، فعندما لا يعد العالم يرى جسدي أكون بالحق تلميذًا للمسيح].

في ترواس:

أبحر بالسفينة من سميرنا إلى ترواس، ليكتب القديس أيضًا ثلاث رسائل "إلى فيلادلفيا، وسميرنا، والقديس بوليكربس".

من ترواس أبحر إلى نيوبوليس، ثم فيلبي، ثم Epirus و Tyrhene... وأخيرًا إلى منطقة Portus حيث التقى بالإخوة الذين امتزج فرحهم برؤيته بحزنهم لانتقاله. قابلهم بكل محبة سائلًا إياهم أن يظهروا المحبة الحقيقية ويتشجعوا.

جثا على ركبتيه وصلى لكي يوقف الله موجة الاضطهاد عن الكنيسة، وأن يزيد محبة الإخوة لبعضهم البعض.

أخيرًا أسرع به الجند إلى الساحة، وأطلقت الوحوش ليستقبلها بوجه باش، فوثب عليه أسدان ولم يبقيا منه إلا القليل من العظام.

جمع المؤمنون ذخائره وأرسلوها إلى كنيسته بإنطاكية. تعيِّد له الكنيسة في 7 شهر أبيب.

سيرة حياة مرنم اسرائيل الحلو

← اللغة الإنجليزية: David - اللغة العبرية: דָּוִד, דָּוִיד - اللغة اليونانية: Δαβίδ - اللغة القبطية: Dauid.

اسم عبري معناه "محبوب" وهو ابن يسى Jesse وثاني ملوك بني إسرائيل.  ويُطلق عليه أيضًا: "داود النبي مرنم إسرائيل الحلو". ويمكن أن ننظر إلى حياته من عدة مراحل:

(1) المرحلة الأولى من حياة داود:

مرحلة حداثته وشبابه وقد قضى الشطر الأول من هذه المرحلة في بيت لحم يهوذا. وكان أصغر ابن بين ثمانية بنين (1 صم 16: 10 و11 و17: 12-14) ومع أننا نرى في سجل سبط يهوذا في 1 أخبار 2: 13-15 ذكر سبعة أبناء ليسى فقط إِلا أنه يرجح أن أحدهم مات دون أن يعقب نسلًا. وقد عرفت أمّ داود بالتقوى والصلاح (مز 86: 16 و116: 16). وتاريخ أسلافه رائع وبديع ومجيد وباعث على الإلهام إلا أنه لم يخل من بعض لوثات الخطيئة في بعض الأحيان (تك 37: 26 و27 و38: 13-29 و43: 8 و9 و44: 18-34 ويشوع 2: 1-21 وراعوث 4: 17-22). وكان داود أشقر مع حلاوة العينين وحسن المنظر (1 صم 16: 12) وبما أنه كان أصغر الأبناء فقد كلّف بمهمة العناية بأغنام أبيه. وقد أظهر في القيام بهذه المهمة إخلاصًا نادرًا وشجاعة فائقة فقد قتل أسدًا ودبًا هاجما القطيع (1 صم 16: 11 و17: 34-36) وقد تمتع بمواهب موسيقية من صنف ممتاز، فقد أجاد اللعب على القيثار ثم أنشأ فيما بعد المزامير والأناشيد. ولما رفض الرب الملك شاول، ولم بنادَ بداود ملكًا حينئذ لئلا تثار العداوة بينه وبين شاول. وقد احتفل بمسحه في وسط ضيق وربما كان ذلك بحضور نفر قليل من شيوخ قريته. ولم يذكر سبب مسحه (1 صم 16: 4 و5 و13) إِلاّ أنه يبدو أن يسى وداود عرفا الغرض الذي استهدفه مسحه. وقد كان هذا الحادث نقطة تحول في حياته فإن الروح الرب جاء بقوة، ومع هذا فلم يحتقر عمله الوضيع أو يستهن .

(2) خدمة داود لشاول الملك:

تتضمن المرحلة الثانية خدمته لشاول. فإنه لما رفض الله شاول اعتراه روح شرير. وإذ ظهرت دلائل انحراف عقله عن جادة الصواب نصح أتباعه أن يلحق ضاربًا بالقيثار بخدمته لكي يهدئ من روعه بموسيقاه عندما تضطرب حاله. وذُكر داود عندئذ كلاعب ماهر وبطل شجاع يعمل في الحرب ببأس لحداثته وشبابه (1 صم 16: 14-18). فدعا شاول داود، وقد أفاد كثيرًا بموسيقاه ورضي كثيرًا عن أخلاقه، وطلب إلى يسى أن يبقيه معه وعيّنه حامل سلاح له (1 صم 16: 19-23). وقد كانت خدمة داود لشاول خير مدرسة تدرب فيها داود، فقد تعلم أساليب الحرب والسياسة والحكم. وقد اتصل بحكم عمله بعدد من أقدار الرجال في ذلك الحين ورأى جوانب الملك المنيرة والمظلمة. ولكن لم يقم داود مع شاول باستمرار، إذ يبدو أن حالة الملك تحسنت. وقد أتيحت الفرصة لداود مرارًا كثيرة أن يعود ليشرف على غنم أبيه (1 صم 17: 15). وبينما كان يقوم بزيارة قريته ويشرف على الغنم إذ نشبت الحرب بين العبرانيين والفلسطينيين فغزا الفلسطينيون يهوذا وأقاموا معسكرهم على مسافة تقرب من خمسة عشر ميلًا غرب بيت لحم. فقاد شاول الجيش لملاقاتهم. وكان أخوة داود الثلاثة الكبار مع الجيش. ثم بعد قضائهم مدة تقرب من ستة أسابيع بعيدين عن أهلهم وذويهم أرسل يسى داود لكي يسأل عن سلامتهم. وفي ذلك حين كان جليات قد تقدم متحديًا أي إنسان في جيش العبرانيين لكي يبرز لمبارزته فأثار هذا التحدي روح داود. وقد شعر يقينًا بأن الرب سيزيل على يديه العار الذي لحق بقومه. فسأل عمّن يكون هذا الفلسطيني الذي يعيّر صفوفًا الله الحي. وقد بلغت كلماته إلى شاول الذي إذ رأى قوة الروح الدافع بالفتى أن يتقدم عهد إليه بأمر مبارزة جليات. فخلع داود لباس الحرب الذي كان قد ألبسه إياه شاول بحجة أنه لم يجربه. وقد أظهر في تلك الآونة عبقرية عظمى فإن حركة جليات البطيئة بسبب ثقل السلاح الذي كان يلبسه يحتم عليه أن يكون قتاله عن قرب من عدوه فلا يستطيع أن يتمكن منه ما دام بعيدًا عنه. أما داود فجاء إليه خفيف الحركة لا يعوقه ثقل سلاح أو ما أشبه ذلك. أتى ومعه مقلاع كان قد أتقن استخدامه وانتقى خمسة أحجار ملس يمكن قذفها عن بعد. جاء ويتملكه إحساس رائع بعدل القضية التي يدافع عنها ويحارب لأجلها، ويسود على قليه وكل مشاعره شعور سماوي بالثقة بالله.

ثم بدا المتحاربان يتبادل عبارات التعيير كما كان مألوفًا لدى المتبارزين في القديم. ثم قذف داود بمقلاعه حجرًا سقط جليات على أثره فتقدم داود وقضى عليه بسلاحه. وبعد الانتصار ذهب داود مع شاول أما إلى جبعة بنيامين - المركز الذي كان شاول يقيم فيه ويحكم منه، أو أنهما ذهبا إلى نوب حيث كانت خيمة الاجتماع منصوبة. ثم عرض داود رأس جليات في أورشليم ويبدو انه فعل ذلك تحديًا لليبوسيين الذين كانوا لا يزالون يملكون الحصن في ذلك الحين. ثم وضع سلاح جليات في خيمته (1 صم 17: 54) ووضع السيف في خيمة الاجتماع (1 صم 21: 9). ثم عن داود لما ذهب لمجابهة جليات انذهل شاول من بطولة روحه وسأل ابنير عن الفتى وابن من يكون. ولما عاد داود منتصرًا وجه إليه شاول السؤال نفسه فرد عليه داود ببساطة قائلًا: "ابن عبدك يسّى البيت لحمي" (1 صم 17: 58؛ 18: 1) ولم يكن أسلاف داود قد عرفوا بالبطولة الحربية. ويبدو أن شاول في سؤاله أراد أن يعرف مركز أسرة المنتصر الذي وعد أن يعطيه ابنته زوجة، ولكي يعفي أسرة أبيه من الضرائب التي كانت مفروضة عليهم (1 صم 17: 25 و18: 18) فاكتشف انه لا يوجد في أسرة داود ما يمكن أن يخجل منه إذا ما صار صهره.

وقد كان انتصار داود على جليات مرحلة ذات أهمية عظمى في حياته. فقد أظهر من البطولة والشجاعة والتواضع والتقوى ما جعله محببًا إلى نفس يوناثان فتعلقت نفسه بداود وأحبه كنفسه (1 صم 18: 1) ولم يسمح له من بعد ذلك أن يعود إلى بيت أبيه بل بقي في بلاط شاول على الدوام (1 صم 18: 2). ولكن الإكرام الذي ناله داود لانتصاره على جليات أثار غيرة شاول الذي أصبح عدوًا لدودًا منذ ذلك الحين (1 صم 18: 6-9) وقد رأى شاول أن تنبؤ صموئيل بانتقال الملك منه إلى من هو خير منه (1 صم 15: 17-29) قد قرب من تمامه في داود فحاول أن يمنع ذلك جهد المستطاع. ومن أجل ذلك حاول مرة أن يقتل داود بالحربة (1 صم 18: و11) وإذا فشل في هذه المحاولة، حطّ من مكانة داود الحربية ومن سلطته (1 صم 18: 13). وقد أعطى ابنته التي وعد أن يزوجها لداود، زوجة لآخر (1 صم 18: 13). وقد حاول أن ينصب من محبته لميكال فخًا له لقتله (1 صم 18: 20-27) وكلما ازدادت شهرة داود كلما خاف شاول على ملكه منه ولم يخفِ قصده في قتله (1 صم 18: 29 و30 و19: 1) ولم يتخل اتباع شاول قطّ عن السعي في تنفيذ هذا القصد (1 صم 24: 9 وعنوان مز 7) ومع أن عداوته لداود أخمدت بعض الوقت إلاّ أن غيرته ثارت من جديد وحاول أن يضربه بالحرية (1 صم 19: 4-9) ثم أراد فيما بعد أن يقبض على داود لولا أنه هرب بحيلة دبرتها ميكال (1 صم 19: 10-17) وقد كتب داود مز 59 فبي ذلك الحين. ثم هرب إلى صموئيل في الرامة حيث أرسل شاول رسلًا للقبض عليه (1 صم 19: 18-24) ومن بعد ذلك هرب داود إلى يوناثان الذي بعد أن تحرّى الموقف اخبره أنه لا أمان له ما دام يظل باقيًا في بلاط شاول (1 صم ص 20).

(3) داود البطل الطريد:

هذه الظروف القاسية التي حلّت بداود أظهرته بمظهر من فقد ثقته بالله أو كاد، وأغرقته في بحر من اليأس والقنوط. فهرب من شاول وجاء إلى نوب وكان إيمانه قد بلغ من الضعف أقصاه فلم ينطق بالصدق (1 صم 21: 1-9) ومن هناك أسرع إلى جتّ وطلب حماية أخيش ملكها عدو شاول (1 صم 21: 10) ولكن أقطاب الفلسطينيين لم يطمئنوا إلى وجود من هزمهم وأضاع هيبتهم في وسطهم فألقوا القبض عليه (1 صم 21: 14 وعنوان مز 56) غير أنه تظاهر بالجنون فطرده (قارن عنوان مز 34، ومن المرجح جدًا أن ابيمالك هو نفس اخيش أو أنه لقب لقّب به اخيش) ثم استعاد داود إيمانه بالله (مز 34) ورجع إلى يهوذا وأقام في مغارة عدلام (1 صم 22: 1) ولكنه أخذ أبويه ليقيما في موآب (1 صم 22: 3 و4) واجتمعت إليه جماعة متعددة الأغراض متضاربة المشارب فمنهم من لا عمل له، ومنهم اليائس وغير هؤلاء ممن بلغ عددهم أربعمائة في البداية ثم ازدادوا إلى ستمائة. وكان ابياثار من ضمن هؤلاء - وهو الكاهن الذي بقي من بين كهنة نوب. جاء ومعه الأفود. وكذلك النبي جاد الذي يرجح أن داود التقى به في الرامة (1 صم 22: 5 و20 و23: 6) ولذا توفرت لداود في ذلك الحين المعونة الدينية. ثم ذهب من عدلام إلى قعيلة وخلص البلدة من ايدي الفلسطينيين (1 صم 23: 1-5) وإذ تهيأ شاول لمهاجمته هرب إلى برية يهوذا (1 صم 23: 14 ومز 63) حيث طارده شاول بعد ما جاء إليه الزيفيون واخبروه أن داود مُختبئ عندهم غير أن شاول أضطر أن يتوقف عن المطاردة عندما علم أن الفلسطينيين قد اقتحموا البلاد (1 صم 23: 14-29) وبعدما رجع شاول من متابعة الفلسطينيين عاود مطاردته لداود فذهب إلى عين جدي إذ علم أن داود مختبئ هناك. ولكنه كاد يقع قي قبضة داود لولا أنه عفا عنه وأنقذ حياته (1 صم 24 ومز 57 و142). ثم عمل على حماية أملاك قومه من الناهبين (1 صم 23: 1 و25: 16 و21 و27: 8). وقد انتظر داود أن يرد له بعض جميله فيقدم الطعام لرجاله فانه لم يطلب ضريبته ولم يطلب مؤنًا له ولرجاله في دفاعهم عن تلك الممتلكات غير أن نابال رفض طلبه بسخرية واحتقار فاثار هذا غيظ داود ولم ينقذ نابال من أن يسفك دمه سوى حكمة زوجته (1 صم ص 25) التي أخذها داود زوجة له بعد موت نابال. ثم عاد إلى مكان بالقرب من زيف فاخبر الزيفيون شاول مرة ثانية عن مكانه فنهض لمطاردة شاول وأظهر داود مروءة وشهامة وعفا عنه بعد أن وقع في يده فأخذ رمحه وكوز الماء من عند رأسه وأيقظه وأعلمه أنه كان قد وقع في يده غير أنه عفا عنه. وإذ يئس داود من كفّ شاول عن مطاردته ترك يهوذا واستأذن اخيش في أن يحتل صقلغ وهي مدينة في طرف الصحراء الجنوبية حيث بقي هناك سنة وأربعة أشهر يحمي الفلسطينيين ويحارب قبائل الصحراء (1 صم ص 27) ولما ذهب الفلسطينيون إلى جبل جلبوع لمحاربة شاول لم يسمح اقطاب الفلسطينيين لداود أن يذهب معهم (1 صم 28: 1 و2 وص 29) وعند عودته وجّد أن صقلغ قد اخربت. فتعقب الغزاة واستخلص منهم الاسلاب (1 صم ص 30) ولما سمع بما حدث في معركة جلبوع حزن لمصرع شاول ويوناثان ورثاهما رثاءً حارًا (2 صم ص 1).

(4) داود ملك يهوذا:

بعد موت شاول اختار سبط يهوذا داود ملكًا عليه لأنه من هذا السبط. وبدا حكمه على سبط يهوذا في حبرون (2 صم 2: 1-10) وكانت سنه حينئذ ثلاثين عامًا (2 صم 5: 4) فقامت بقية الأسباط بقيادة ابنير، وكان من أقوى رجال عصره، وأقاموا ايشبوشث ابن شاول في محنايم واشتعلت نار حرب أهلية لمدة سنتين بين رجال داود ورجال ايشبوشث وانتهت باغتيال ابنير وايشبوشث على غير رغبة داود وعدم رضاه (2 صم 2: 12 - 4: 12) وقد دام ملك داود في حبرون مدة سبع سنين وستة أشهر (2 صم 5: 5) وكان قد صارت له عدة نساء وأبناؤه الذين ولدوا في حبرون هم: امنون، وأبشالوم، وأدونيا (2 صم 3: 1-5).

(5) داود ملك على كل بني إسرائيل:

وعند موت ايشبوشث اختارت كل الأسباط داود ملكًا عليها. وقد بادر للحال بتأسيس المملكة (2 صم 5: 1-5) وكانت بعض الحاميات الفلسطينية في بعض بلاد المملكة، وكانت بعض البلدان الأخرى في يد الكنعانيين. فقام داود بأخذ حصن اليبوسيين في أورشليم. وكان السكان يعتبرون الحصن منيعًا لا يقهر ولكن داود اكتسحه عنوة. وبحكمة جعل المدينة عاصمة ملكه وأقام قصرًا بناه له صناع صوريون. وكانت العاصمة الجديدة تقع على الحدود بين الأسباط التي في الشمال والجنوب. وقد ساعد أخذه البلاد التي كانت في أيدي الكنعانيين على فتح الطريق بين يهوذا والشمال ويسّرت التعامل بين الشمال والجنوب وعملت على أحكام أواصر مملكته. وقد غزا الفلسطينيون البلاد مرتين ولكن هزمهم داود في المرتين بالقرب من أورشليم (2 صم 5: 17-25 و1 أخبار 14: 8-17) وقد تقدم بعد انتصاره الثاني على الفلسطينيين فغزا بلادهم وأخذ جتّ. وفي هذه المرة ثم في مرات تالية قام فيها داود بمهاجمة الفلسطينيين تمكن من إخضاعهم تمامًا (2 صم 21: 15-22) فكفوا عن اقلاف المملكة التي أسسها مدة عدة قرون وحالما أتم داود تأسيس المملكة وجه عنايته إلى الشؤون الدينية فاحضر التابوت باحتفالات دينية وذبائح وفرح عظيم فنقله من قرية يعاريم (يشوع 15: 9 و2 أخبار 1: 4) ووضعه في خيمة الاجتماع التي نصبها له في مدينة داود (2 صم ص 6 و1 أخبار ص 13 وص 15: 1-3) ثم من بعد ذلك وجه عنايته إلى تنظيم العبادة فأحسن تنظيمها (1 أخبار ص 15 وص 16) ووضع تصميمًا لهيكل عظيم (2 صم ص 7 و1 أخبار ص 17 وص 22: 7 -10). وزاد الله له نعمته فأصبح ناجحًا جدًا. ولكي يضمن أمن مملكته ويحرص على ان لا تأتيها العدوى الوثنية من الأمم المجاورة ولكي ينتقم لأجل هجمات وقعت على ملكه، قام داود بحرب ضد الأمم المحيطة بهم فاخضع الموآبيين والاراميين في صعوبة ودمشق والعمونيين والادوميين والعمالقة (2 صم ص 8 و10 و12: 26-31) وبهذا امتدت مملكته إلى أقصى حدود وصلت إليها في كل تاريخها. وقد ارتكب داود خطيئته الشنيعة ضد أوريا الحثي أثناء حربه مع العمونيين. وقد وبخه النبي ناثان على هذه الخطيئة واعلن له العقاب السماوي الذي يحلّ به: ان السيف لن يفارق بيته (2 صم 11: 1 إلى 12: 23) وقد تاب داود توبة صادقة (مز 51) ولكن الغلام الذي ولد نتيجة زواجه من امرأة اوريا مات (2 صم 12: 19) وقد ظهرت قوة الشهوة الجامحة وقوة الانتقام الغشوم في بيته (2 صم ص 13)، وفي عصيان ابنه عليه فاقضَ مضجعه وأثار حربًا أهلية وشعواء في مملكته (2 صم ص 14 -19). وقد وجدت روح القلق والحسد والطمع التي أثارها ابشالوم في الأسباط، مكانًا في نفوس الشعب وبقيت حتى بعد ما اخمد عصيان أبشالوم، وظهرت مرة أخرى في عصيان شبع بن بكري (2 صم ص 20) وقد وفىّ داود العدل حقّه بحسب ما كان سائرًا في عصره فانتقم لكسر شاول الحلف مع الجبعونيين (2 صم ص 21). وارتكب خطيئة كبرياء بقيامه بإحصاء الشعب وقد عوقب لذلك بأن أصيب الشعب بالوباء (2 صم ص 24 و1 أخبار ص 21) وقد انشغل داود كثيرًا أثناء حكمه بشئون الدولة الداخلية وتنظيمها وكذلك بالحروب الكثيرة التي قام بها. وكذلك شغل بإعداد المواد لبناء الهيكل. وختم حكمه بتثبيت سليمان على العرش وارثًا له (1 ملو ص 1) ثم أوصى بإيقاع الحكم العدل على بعض ممن ارتكبوا جرمًا وافلتوا من العدالة في مدة حكمه (1 ملو 2: 1-11) ومات في السنة الحادية والسبعين من عمره بعد أن حكم أربعين سنة أو يزيد منها سبع سنين ونصف سنة في حبرون وثلاثة وثلاثين سنة في أورشليم (2 صم 2: 11 و5: 4 و5 و1 أخبار 29: 27). وقد دفن داود في مدينة داود وتقع هذه جنوب الحرم الشريف. أما مكان قبره بحسب التقليد فهو المكان الذي يسمّى "النبي داود" وهو بالقرب من الباب المسمى بهذا الاسم.

وقد اعتبر داود منذ حداثته مرنم إسرائيل الحلو (2 صم 23: 1) وقد نسبت إليه المزامير. وقد ورد في الكتب التاريخية ذكر لشغفه بالموسيقى. فقد كان يضرب على القيثارة بمهارة فائقة (1 صم 16: 18-23 و2 صم 6: 5) وقد نظم خدمة التسبيح للمقدس (1 أخبار 6: 31 و16: 7 و41 و42 و25: 1) وقد انشأ رثاء لشاول ويوناثان وكذلك رثا ابنير. ثم انشد رثاء لشاول ويوناثان وكذلك رثا ابنير. ثم انشد انشودة النجاة والكلمات الختامية التي نطق بها (2 صم 1: 17-27 و3: 33 وص 22 وص 23: 1-7) وقد أشار عاموس وعزرا إلى نشاطه الموسيقي (عزرا 3: 10 ونحم 12: 24 و36 و45 و46 وعا 6: 5) وابن سيراخ (ص 47: 8 و9) ومثل هذا العمل الذي قام به داود كان قد نشأ وترعرع وتهذبت الملكات له عند المصريين القدماء والبابليين والعبرانيين (عدد 21: 14 وقضاة ص 5). وينسب على داود ثلاثة وسبعون مزمورًا كما ذكر في عناوين هذه المزامير في الأصل العبري (قارن مز 3 و34 و51 الخ). وكثيرًا ما تذكر المناسبة التي لأجلها أنشد هذا المزمور أو ذاك. مزمور 59 وعلى الأرجح مز 7 انشئا أثناء وجوده مع شاول ومزامير 34 و52 و54 و56 و57 و63 و142 أنشئت في وقت حلّ به ضيق وعندما كان طريدًا. ومزامير 3 و18 و30 و51 و60 كتبت في عدة مناسبات فيها جاز داود اختبارات منوعة عندما كان ملكًا.

ومع أن داود ارتكب في بعض الأحيان خطايا يندى لها الجبين خجلًا إلا إننا غذ نظرنا على نسبة النضوج الروحي الضئيلة التي كانت سائدة في ذلك العصر وحالة الظلام التي كانت تعم العالم قبل انبلاج فجر النور، ثم إذا نظرنا إلى عمق توبته لرأينا في هذا شيئًا مما يخفف ذنبه على حدّ ما. ومن الناحية الأخرى إذا نظرنا إلى قوة تعلقه بالله وشدة إخلاصه له وروعة إيمانه به أمكننا أن ندرك كيف انه دعي رجلًا حسب قلب الله (1 صم 13: 14) وعلى الإجمال فقد فعل المرضي في عيني الله ما عدا ما كان من خطيئته في حق أوريا الحثي (1 ملو15: 5) فقد خدم جيله بمشورة الله ورقد (اعمال 13: 36). وإن مقدار ماله من الأثر في الجنس البشري عظيم إلى حد كبير. فقد أسس ملكًا، وانشأ مزامير أنشدت في كل بقاع العالم المسيحي طوال قرون وقرون. وكلما أنشدت كلما بعثت في المرنمين حياة روحية قوية. وقد كان داود حلقة على غاية ما يكون من الأهمية في سلسلة انساب من هو ابن داود وفي نفس الوقت رب داود (مت 22: 41-45).

* داود البيتلحمي:

لقد سكنت راعوث الموابية، والتي جاء من نسلها داود والمسيا في بيت لحم مع بوعز، زوجها الثاني، وكانت تستطيع من مكانها الجديد أن ترى جبال مواب موطنها الأصلي. وكان داود نفسه هو "ابن ذلك الرجل الافراتي من بيت لحم يهوذا الذي اسمه يسي" (1صم 17: 12). وجاء صموئيل النبي إلي بيت لحم ليمسح داود ملكا خلفا لشاول الذي رفضه الرب، " أما داود فكان يذهب ويرجع من عند شاول ليرعى غنم أبيه في بيت لحم" (1صم 17: 15).

ومازال التقليد يشير إلي موقع معين على انه بئر بيت لحم حيث "شق الأبطال الثلاثة محلة الفلسطينيين واستقوا ماء من بئر بيت لحم الذي عند الباب وحملوه وأتوا به إلي داود" (2صم 23: 16).

ومن تلك المدينة بيت لحم يهوذا جاء أبناء صروية أخت داود والذين كان ولاءهم لداود وقسوتهم البالغة، بمثابة حماية لداود، وفي نفس الوقت كانوا خطرا عليه. وقد دفن احدهم وهو "عسائيل" في قبر أبيه الذي في بيت لحم" (2صم 2: 32).

وتُعَيِّد له الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم 23 كيهك.

سيرة حياة القديس تكلاهيمانوت هيمانوت الحبشي

للقديس تكلاهيمانوت مكانة خاصة لدى الكنيسة الأثيوبية بكونه من أعمدة الرهبنة الأثيوبية وسبب خلاص لكثيرين.

تزوج والده الكاهن ساجازآب أو سكارات (تعني عطية الآب) بفتاة تدعى سارة جميلة جدًا وغنية، وقد عاشا في حياة تقوية، وكان محبين للفقراء والمساكين. إذ لم يهبهما الله طفلًا طلبت الزوجة من رجلها أن يقوما بتوزيع كل ممتلكاتهما على الفقراء وعتق جميع العبيد والجواري، وإذ طلب ألاّ تتسرع أصرت على موقفها، ففرح بمشورتها، وتمم شهوة قلبها. حزن العبيد والجواري إذ كانوا يشعرون أنهم أهل البيت وطلب بعضهم أن يبقوا معهما في البيت فقبلا ذلك ليعيش الكل كإخوة.

إذ صار متالومي ملك الداموت يضطهد المسيحيين بعث بعسكره في كل موقع حوله ليمارسوا أعمال العنف، فبلغ أحد الجند إلى بيت الكاهن وأراد قتله بالرمح لكن الكاهن هرب، وإذ وجد بحيرةٍ غاص فيها. ووقف الجندي على الشاطئ ينتظر خروجه ليرميه بالرمح. إذ تأخر الكاهن جدًا تيقن الجندي أنه قد غرق. لكن الكاهن إذ غاص وجد رئيس الملائكة ميخائيل قد أحاط به وظلله ليصير كمن تحت خيمة حتى خرج ليجد زوجته قد سُبيت والكنيسة قد خُربت، فصار يبكي بمرارة.

رأى العسكر الزوجة سارة فبُهروا بجمالها واقتادوها إلى الملك كهدية. أخبروه بأمرها فطلب حفظها في أحد البيوت وتقديم ثياب فاخرة وذهب وفضة ولآلئ ثمينة تتزين بها، أما هي فصامت عن الطعام الفاخر، وكانت دموعها لا تجف. وفي المساء إذ نام الجميع خلعت الثياب الثمينة، وارتدت ثيابها البسيطة، وصارت تصلي لله، وتطلب خلاصها من هذا الشر، وكانت تطلب شفاعة رئيس الملائكة ميخائيل الذي كانت تُعيِّد له كل شهر وتُقدم في عيده عطايا كثيرة للفقراء. وبالفعل أرسل الله لها رئيس الملائكة يطمئنها ويعزيها، بل ويعدها بطفلٍ مباركٍ يكون بركة لكثيرين.

في الصباح ارتدت الثياب الملوكية، ومضى بها الجند إلى الملك الذي فرح بها جدًا، فقدم هدايا جزيلة للجند، وطلب أن يمضوا بها إلى حيث كرسي المملكة ليقيم احتفالًا رسميًا بزواجه بها في هيكل الوثن. وبالفعل جاء الملك إلى الهيكل وسجد أمام الأوثان، وإذ كانت هي واقفة تنتظر عمل الله معها، حدثت بروق ورعود وزلازل، ونزل رئيس الملائكة ميخائيل ليحملها إلى الكنيسة التي كانت تُصلي فيها مع زوجها الكاهن.

التقت برجلها فظنها إحدى بنات الملوك، إذ كانت تغطي وجهها، لكنها أعلنت عن شخصها وحدثته عن عمل الله معها، فشكرا الله ومجداه على عمله معهما. وفي المساء رأت سارة (كانت تدعى أيضًا مختارة الله) كأن عمودًا منيرًا في وسط بيتها رأسه في السماء، يحتضن فيه طيورًا كثيرة ومتنوعة، وتتطلع إليه شعوب كثيرة وملوك في دهشة، بينما رأى الكاهن كأن شمسًا منيرة تحت سريره وحولها نجوم كثيرة تضيء على المسكونة. في تلك الليلة حملت سارة بالطفل المبارك، الذي ولد في 24 كيهك.

طفولته:

جاء في سيرته الكثير من أعمال الله معه منذ طفولته، نذكر منها أنه إذ كان والداه قد باعا كل ما حملته مختارة الله (سارة) من ثياب فاخرة وذهب وفضة ولآلئ جاءت بها من عند الملك، وقاما بتوزيعه على الفقراء، جاء عيد رئيس الملائكة ميخائيل وكانت البلاد تعاني من مجاعة شديدة. فكانت مختارة الله تبكي مشتاقة أن تُقدم شيئًا للمساكين. وإذ رأى الطفل الرضيع دموعها أشار بيده نحو حفنة دقيق، ووضع يده عليها فصار الدقيق يفيض بكثرة. أسرعت الأم وقدمت كل ما لديها في مطبخها ليضع الرضيع يده عليه فصار لديها فيض من البركات قدمته للمساكين.

عُمِّد هذا الطفل ودُعي اسمه فيشهاسيون أي "فرح صهيون". وقد تربَّى على حياة التقوى والعبادة بروح نسكية مع اتضاع وحب للجميع.

سيامته:

إذ بلغ الخامسة عشرة من عمره سامه الأنبا كيرلس مطران الحبشة شماسًا، وكان ذلك في عهد الأنبا بنيامين. استقبله المطران بحفاوة وقبَّله معلنًا عنه أنه محبوب من الله وأن ملاك الرب يرافقه ممسكًا في يده سيفًا من النار.

عاش في حياة الطهارة والعفة، وعندما حاول والداه أن يزوِّجاه رفض مُعلنًا عن رغبته في الحياة البتولية، ولما ألزماه عاش مع زوجته كأخٍ مع أخته حتى رقدت في الرب.

سامه الأنبا كيرلس كاهنًا يساعده في الخدمة، ثم تنيحت والدته في 22 مسرى وبعد أربعة أيام تنيح والده في 26 مسرى من نفس العام.

عاش هذا الشاب الكاهن في بيت والديه سبع سنوات، وإذ خرج يومًا ليصطاد وحوشًا ظهر له رئيس الملائكة ميخائيل، وقال له إن هذا العمل لا يليق بالكهنة إنما يلزم أن يكرس كل حياته للصلاة ودراسة الكتاب والتعليم، وأن الله قد وهبه عطية شفاء المرضى وصنع المعجزات، وأن اسمه لا يُدع بعد فيشهاسيون (فرح صهيون) وإنما تكلاهيمانوت. قيل إنه رأى أيضًا السيد المسيح الذي وضع يده عليه وباركه بعد أن دعاه للعمل الكرازي ووعده أن يكون معه ويسنده.

قام القديس تكلاهيمانوت بتوزيع كل أموال والديه على الفقراء وودَّع أهل مدينته، وانطلق يكرز ويبشر.

خدمته الكرازية والرهبانية:

ذهب إلى مدينة كاتانا حيث كان أهلها يعبدون الأوثان والأشجار والشمس، وهناك ثار الشعب عليه وسمعوا صوت الشيطان من الشجرة معبودتهم يطالبهم بإقصائه بعيدًا، أما هو فوقف من بعيد وحوَّل وجهه نحو الشرق وبسط يديه وصلى، سائلًا الرب أن يبيد هذه الشجرة، فإذا بها تُقتلع من جذورها وتتحرك نحو القديس، كما اعترف الشيطان علانية عن تضليله للناس.

صنع الله على يديه عجائب كثيرة فأمن كثيرون ونالوا سرّ المعمودية في مياه النهر.

حزن أمير المنطقة على ما جرى لأن الشجرة كانت مصدر إيراد ضخم له، خاصة وأنه جاء ليجد القديس قد أمر بتقطيع الشجرة لاستخدام خشبها في بناء كنيسة. وإذ كان الأمير مريضًا شفاه القديس باسم الثالوث القدوس، فآمن هو وزوجته أكروسينا وأولاده الثلاثة الذين اعتمدوا وصارت أسماؤهم صموئيل وبنيامين وعطية الصليب، كما اعتمد معهم كثيرون.

التحمت حياته النسكية بعمله الكرازي، فكان ناسكًا حقيقيًا يقضي أغلب فترة الصوم الأربعيني في البراري في تقشف شديد ليعود يلتقي بإخوته وأولاده بحب شديد، يهتم بهم ويرعاهم.

تعلَّق به الشعب جدًا، لكنه كوصية الرب له كان يضطر إلى التنقل من بلد إلى بلد بأثيوبيا يكرز بالإنجيل ويقاوم عبادة الأوثان وأعمال السحر فتعرض لمتاعب كثيرة ومقاومة، لكن الرب كان ينجح طريقه، واهبًا إيَّاه صنع العجائب والأشفية.

بجانب عمله الكرازي عاش أيضًا أبًا لرهبان كثيرين، فقد مارس الحياة الديرية في أمجرا بروح العبادة والسهر مع خدمة الآخرين والاهتمام بالفقراء، حتى حسبه الرهبان ملاكًا لا إنسان. وكان الله يصنع على يديه عجائب، فتحول الدير إلى مركز للكرازة.

قيل إن ابن أخت رئيس الدير كان قسًا ومات فصار الكل يبكونه، وإذ جاء القديس تكلاهيمانوت إلى حيث يوجد الجثمان صلى إلى الله فأقامه الرب من الموت، وعندئذٍ جاء القس يبكي بدموع وهو يسجد عند قدميْ القديس طالبًا المغفرة، معترفًا أنه كان يحسده على ما وهبه الله من عطايا ظانًا أنه سيحتل مركز خاله ويصير رئيسًا للدير بعد نياحته. وكان القس يشكر القديس ويمدحه من أجل قداسة حياته ومحبته حتى لحاسديه.

شعر القديس أن المجد الزمني سيلاحقه بعد إقامته هذا القس، لذا كان يصرخ إلى الله كي يخلصه من هذا الموضع، وبالفعل أرشده رئيس الملائكة ميخائيل أن يذهب إلى دير القديس إسطفانوس تحت رئاسة إيسوس مور (يسوع غالب). بالفعل ترك منطقة أمجرا حتى بلغ النهر فأمسك به الملاك ليسير معه فوق المياه ويبلغ به إلى الدير.

كرَّس وقته للصلوات والمطانيات بصبرٍ عجيب فأهَّله الرب لرؤية أورشليم السماوية وكراسي المجد المعدَّة للمؤمنين المجاهدين. وهناك سمع صوتًا يناديه باسمه، قائلًا له إنه سيُحسب مع الأربعة وعشرين قسيسًا وأُعطي له مجمرة ذهبية ليبخر بها معهم، وكان يشترك معهم في التسبيح.

انتقل من هذا الدير إلى دير القديس إرجاوي القائم على جبل دامو (ديبرا دامو) حيث كان القديس يوحنا رئيسًا للدير الذي البسه الإسكيم، وبقي هناك 12 عامًا يمارس الحياة النسكية، وإذ ودَّعه رئيس الدير والإخوة ربطوه في حبل لينزلوه من الدير (على القمة) إلى سفح الجبل. فجأة انقطع الحبل وظن الكل أنه يسقط ميتًا، لكنهم نظروا أجنحة عجيبة برزت من جسده، ليطير وينزل سالمًا، لهذا كثيرُا ما يُصور القديس كالشاروب بستة أجنحة.

صار القديس يتنقل بين الأديرة، وكانت قوة الله تلازمه وتعمل به وفيه.

قيل أيضًا انه ذهب إلى مدينة القدس، وانه التقى بالبابا الإسكندري خائيل هناك. تبارك بالقبر المقدس والمواضع المباركة ثم ذهب إلى برية الإسقيط بمصر حيث ظهر له ملاك الرب وأمره بالعودة إلى أثيوبيا.

عاش هناك يُتلمذ الكثيرين للحياة الرهبانية حتى إذ أكمل جهاده ظهر له السيد المسيح وأعلمه بقرب انتقاله، وبالفعل أصيب بمرض الطاعون ورقد في الرب.

القديس اسحق الدفراوي


نشأته:

ولد القديس إسحق ببلدة دفرا، التابعة لطنطا، وعاش في حياة تقوية مقدسة.

لما أثار الإمبراطور دقلديانوس الاضطهاد كان القديس قد بلغ الخامسة والعشرين من عمره، وإذ كان نائمًا في الحقل مع الحصادين رأى ملاك الرب يقول له: "سلام لك يا إسحق رجل الله التقي؛ لماذا أنت نائم والجهاد قائم؟!"، ثم أراه إكليلًا فالتهب قلبه بنوال بركة الاستشهاد.
St-Takla.org Image: Saint Eshak El-Dafrawy (Issac of Dafre), modern Coptic icon صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس الشهيد الأنبا إسحق الدفراوي، أيقونة قبطية حديثة
St-Takla.org Image: Saint Eshak El-Dafrawy (Issac of Dafre), modern Coptic icon

صورة في موقع الأنبا تكلا: القديس الشهيد الأنبا إسحق الدفراوي، أيقونة قبطية حديثة

إذ لاح النهار ودّع الشاب والديه لينطلق إلى مدينة طوه، تابعة لببا بصعيد مصر، فمنعاه من الخروج. وفي منتصف الليل أضاء البيت كله بنور فائق، ثم ظهر الملاك وشجع إسحق لينطلق ويتمم شوق قلبه، وفي الحال ترك مدينته وانطلق إلى طوه.

استشهاده:

التقى القديس إسحق بوالي المدينة. حيث أعلن إيمانه بقوة وشجاعة، فهدده وأمر بحبسه حتى يعود من نقيوس. انطلق إسحق مع أحد الجنود من أمام الوالي إلى الحبس، وفي الطريق التقى برجل أعمى، صلى إلى الله من أجله فانفتحت عيناه، وللوقت آمن الجندي نفسه، وعند عودة الوالي اعترف الجندي بالإيمان وسلّم رقبته للسيف لينال إكليل الشهادة بفرح.

اغتاظ الوالي وصمم أن يذيقه كل أنواع العذابات، فأرسله إلى ككليانوس والي البهنسا ليقوم بالتعذيب. وإذ كان بالسفينة مقيدًا طلب من أحد النوتية قليل ماء فأعطاه، وإذ شرب أخذ القليل من الماء المتبقي وصلى عليه وسكبه على عين الرجل النوتي التي كانت عمياء فانفتحت وأبصر بها كما بعينه الأخرى. التقى القديس بوالي البهنسا، الذي بدأ أولًا بملاطفته ليستميله لترك إيمانه فلم يفلح، وعندئذ صار يعذبه، وكان الرب يشفيه.

حدث أن كان أريانا يجول في البلاد يتشفى بمضايقة المسيحيين وتعذيبهم، وإذ التقى بككليانوس أخبره الأخير عن أمر إسحق الدفراوي، وروى له ما حدث معه، فاستلمه منه ليقوم هو أيضًا بدوره في التعذيب، وأخذه معه إلى أنصنا وصار يعذبه، وإذ لم يفلح أرسله إلى مدينة طوه حيث قطعت رأسه ونال إكليل الاستشهاد، وقد ظهر من جسده عجائب كثيرة.

جاء بعض المؤمنين وحملوا جسده، وأتوا به إلى بلده دفرا، ودفنوه هناك بإكرام عظيم، وبنوا كنيسة باسمه. تعيِّد الكنيسة القبطية بعيد استشهاده في 6 بشنس، وعيد تكريس كنيسته في 6 طوبة.

سيرة حياة القديس العظيم باسيليوس الكبير

نشأته:

ولد في قيصرية الكبادوك عام 329 من أسرة تضم عددًا من الشهداء سواء من جانب والده أو والدته. فوالد باسيليوس كان يدعى أيضًا باسيليوس احتملت والدته القديسة ماكرينا (جدة باسيليوس) أتعابًا كثيرة في أيام مكسيميانوس الثاني بسبب تمسكها بالإيمان، وقد بقيت حياتها نموذجًا حيًا للحياة الإيمانية الفاضلة والشهادة للسيد المسيح، أما والدته إميليا فقد مات والدها شهيدًا.

كان باسيليوس أحد عشرة أطفال، خمسة بنين وخمس بنات، كان هو أكبر البنين، وقد مات أخ له في طفولته المبكرة وآخر في شبابه (نقراطيوس)، بينما سيم الثلاثة الآخرين أساقفة: باسيليوس أسقف قيصرية الكبادوك، غريغوريوس أسقف نيصص، وبطرس أسقف سبسطية، أما أكبر الكل فهي ماكرينا على اسم جدتها التي كان لها دورها الحيّ بحياتها التعبدية وأثرها الطيب على إخوتها.

تربى القديس باسيليوس على يديّ جدته ماكرينا في قرية بالقرب من قيصرية الجديدة في منطقة أنيسي Annesi على نهر الأيرس Eris (حاليًا أرماك أو جيكيل). في هذه المنطقة شّيدت أمه أماليا هيكلًا على اسم الأربعين شهيدًا الذين استشهدوا في سبسطية؛ كما تأثر القديس بوالده وأيضًا بأخته الكبرى.

أُرسل في سن مبكرة إلى مدرسة قيصرية كبادوكية، وهناك تعّرف على أشخاصٍ من بينهم القديس غريغوريوس النزينزي، وقد لفتت شخصيته أنظار الكثيرين وهو بعد صبي لنبوغه وسلوكه.

انتقل إلى القسطنطينية حيث درس البيان والفلسفة، ثم ارتحل بعد خمس سنوات (سنة 351 م) إلى أثينا ليكمل دراسته، إذ أمضى قرابة خمسة أعوام هناك، حيث كان قد سبقه إليها صديقه غريغوريوس النزينزي. وقد سجل لنا الأخير الكثير عن القديس باسيليوس، مظهرًا كيف سبقته شهرته إلى أثينا، وكان الشباب ينتظرونه ويودون صداقته. عاش القديسان في مدينة أثينا كروحٍ واحدة في جسدين، يقدمان لنا فصلًا رائعًا في تاريخ الآباء.

هناك التقيا بيوليانوس الذي صار فيما بعد إمبراطورًا يجحد الإيمان ويضطهده.

أحب باسيليوس كل العلوم دون أن تفتر حرارته الروحية، فحُسب كمن هو متخصص في الفصاحة والبيان والفلسفة والفلك والهندسة والطب، لكن سموّه العقلي يتضاءل جدًا أمام التهاب قلبه بالروح ونقاوة سيرته.

عودته إلى وطنه:

عاد عام 356 إلى وطنه بعد محاولات فاشلة من أصدقائه وتلاميذه بأثينا لاستبقائه، وفي قيصرية الكبادوك اشتغل بتدريس البيان لمدة عامين تقريبًا بنجاحٍ عظيمٍ. أرسلت قيصرية الجديدة وفدًا لتستميله بإغراءات سخية أن يقوم بالتدريس فيها لكنه رفض. ومع هذا فيبدو أن شهرته وكلمات المديح المستمرة أثرت عليه ففترت نيته في الحياة النسكية لولا تدخل أخته التقية ماكرينا لتكشف له عن بطلان مجد هذا العالم.

في سنة 357 نال المعمودية، وبعد قليل أُقيم أغنسطسًا (قارئًا) على يدّي ديانيوس أسقف قيصرية، فحزن القديس غريغوريوس النزينزي على هذه السيامة المتسرعة.

حياته النسكية:

أفاق باسيليوس على صوت أخته ماكرينا فاشتاق إلى حياة الوحدة، خاصة وأن والدته وأخته حولتا بيتهما إلى منسكٍ اجتذب عذارى من كبرى العائلات في كبادوكية.

نحو سنه 358 م. إذ كان دون الثلاثين، انطلق يبحث عن النساك في الإسكندرية وصعيد مصر وفلسطين وسوريا وما بين النهرين، فأُعجب جدًا بحياتهم، خاصة رهبان مصر وفلسطين، فعاد ليبيع كل ما يخصه ويوزعه على الفقراء، ويبحث عن مكانٍ للوحدة. اختار موقعًا في بنطس تسمى "إيبورا" على نهر الأيرس يقترب من منسك والدته وأخته، عُرف بجمال الطبيعة مع السكون. كتب عن الحياة الجديدة هكذا: "ماذا أكثر غبطة من مشابهة الملائكة على الأرض؟ في بدء النهار ينهض الإنسان للصلاة وتسبيح الخالق بالتراتيل والأغاني الروحية، ومع شروق الشمس يبدأ العمل مصحوبًا بالصلاة أينما ذهب، مملحًا كل عملٍ بالتسبيح. إن سكون الوحدة هو بدء تنقية النفس، وبالفعل إن لم يضطرب عقل الإنسان لأي شيء، ولم يتشتت عن طريق الحواس في أمور العالم، يرتدّ إلى ذاته، ويرتفع إلى التفكير في الله".

كان صارمًا في نسكه، حتى أضنى جسده، يمزج النسك بدراسة الكتاب المقدس والعبادة، فاجتمع حوله نساك من بنطس وكبادوكية. ويعتبر هو أول من أسس جماعات نسكية من الجنسين في جميع أنحاء بنطس، وإن كان ليس أول من أدخل الرهبنة هناك.

في ميدان الخدمة العامة:

إذ سمع باسيليوس أن ديانيوس أسقف قيصرية قبل قانون إيمان أريوسي يدعى أريميني Ariminum، ترك خلوته ومضى إلى الأسقف يكشف له عن زلته، فقبل الأسقف قانون الإيمان النيقوي الذي يؤُكد وحدانية الابن مع الآب، وكان على فراش الموت، وبانتقاله خلفه أوسابيوس.

تحت تأثير غريغوريوس النزينزي ذهب باسيليوس إلى أوسابيوس الذي سامه قسًا سنة 364 م. بعد تمنعٍ شديدٍ، وهناك كتب كتبه ضد أونوميوس الذي حمل فكرًا أريوسيًا، إذ أنكر أن الإبن واحد مع الآب في الجوهر، وإنما يحمل قوة من الآب لكي يخلق، وأن الإبن خلق الروح القدس كأداة في يده لتقديس النفوس.

اشتهر القديس باسيليوس جدًا وتعلقت القلوب به، الأمر الذي أثار الغيرة في قلب أسقفه فأدت إلى القطيعة ثم إلى عودته إلى خلوته مع القديس غريغوريوس ليتفرغا للكتابة ضد الإمبراطور يوليانوس الجاحد الذي أصيب بنكسة هيلينية.

إذ ارتقى فالنس العرش حاول بكل سلطته أن ينشر الفكر الأريوسي، فطالب الشعب بعودة باسيليوس، أما أوسابيوس فاكتفى بدعوة غريغوريوس الذي رفض الحضور بدون باسيليوس. إذ كتب للأسقف: "أتكرمني بينما تهينه؟ إن هذا يعني أنك تربت عليّ بيدٍ وتلطمني بالأخرى. صدقني، إذ عاملته بلطف كما يستحق فسيكون لك فخر". وبالفعل عاد الاثنان، فصار باسيليوس سندًا للأسقف وصديقًا وفيًا له خاصة في شيخوخته.

في هذه الفترة أيضًا اهتم برعاية المحتاجين والمرضى، وقد شيّد مؤسسة دُعيت بعد ذلك باسيلياد Basiliad، أُقيمت في ضواحي قيصرية لعلاج المرضى واستقبال الغرباء والمحتاجين، على منوالها ظهرت مؤسسات في مناطق قروية أخرى في الأقاليم كل منها تحت إشراف خوري أبسكوبس.

سنه 368 م. ظهرت مجاعة اجتاحت الإقليم، فباع ما ورثه عن والدته ووزعه، كما قدم الأغنياء له بسخاء فكان يخدم الفقراء بنفسه.

سيامته رئيس أساقفة:

في حوالي منتصف سنة 370 م. توفي أوسابيوس، فأرسل باسيليوس الذي كان هو المدبر الفعلي للإيبارشية إلى القديس غريغوريوس النزينزي بحجة اعتلال صحته، وكان قصده أن يرشحه للأسقفية، وإذ بدأ رحلته نحو باسيليوس أدرك حقيقة الموقف فقطع رحلته وعاد إلى نزنيزا، وأخبر والده غريغوريوس (والد غريغوريوس النزينزي) بالأمر، فقام الوالد بدورٍ رئيسي لتيار باسيليوس، إذ بعث برسائلٍ إلى الأساقفة الذين لهم حق الانتخاب كما إلى الكهنة والرهبان والشعب، وجاء بنفسه محمولًا بسبب شيخوخته وشدة مرضه ليدلي بصوته ويشترك في سيامته عام 370 م.

كان لسيامته آثار مختلفة فقد تهلل البابا أثناسيوس وأرسل يهنيء كبادوكية بسيامته، كما فرح كل الأرثوذكس، أما الإمبراطور فالنس الأريوسي فحسب ذلك صدمة خطيرة له وللأريوسية.

الصعاب التي واجهته:

1. رفض فريق من الأساقفة الاشتراك في سيامته، لكنهم بعد سيامته تحولوا عن عدائهم الظاهر إلى المقاومة الخفية، غير أنه تغلب عليهم في سنوات قليلة بالحزم الممتزج بالعطف.

2. صممت حكومة الإمبراطور على تقسيم كبادوكية إلى إقليمين لإضعاف مدينة قيصرية، وبالتالي الحدّ من سلطة القديس باسيليوس، وقد أُختيرت مدينة تيانا عاصمة للإقليم الثاني، وطالب أسقفها أنتيموس بتقسيم كنسي يتبع التقسيم الإداري. وإذ كانت تتمتع تيانا بذات امتيازات قيصرية، الأمر الذي سبب نزاعًا بينه وبين باسيليوس، اضطر الأخير إلى سيامة مجموعة من الأساقفة لمساندته، منهم أخوه غريغوريوس أسقف نيصص، وقد سبق لنا الحديث عن مقاومة الأريوسيون له، وغريغوريوس صديقه على سازيما، الذي اضطر إلى الاعتزال منها لاستيلاء أسقف تيانا عليها، وأيضًا سام أسقفًا في دورا طُرد منها.

3. لم يمضِ على سيامته سنة حتى دخل في صدامٍ علنيٍ مع الإمبراطور فالنس الأريوسي الذي كان يجتاز آسيا الصغرى مصممًا على ملاشاة الإيمان الأرثوذكسي وإحلال الأريوسية محله، وقد انهار بعض الأساقفة أمامه، أما باسيليوس فلم يتأثر بحاشية الإمبراطور التي هددته بالقتل. أرسل الإمبراطور فالنس مودستس حاكم برايتوريوم ليخيره بين العزل أو الاشتراك مع الأريوسية فلم يذعن له، بل وحينما دخل الإمبراطور الكنيسة في يوم عيد الظهور الإلهي لسنة 372 م. وشاهد الكنيسة تسبح بصوتٍ ملائكيٍ سماوي حاول أن يُقدم تقدمة فلم يتقدم أحد لاستلامها لأنه هرطوقي، وكاد يسقط لولا معاونة أحد الكهنة له، أخيرًا تراءف عليه القديس وقبلها من يده المرتعشة، وقد حاول أن يظهر كصديق للقديس باسيليوس.


St-Takla.org Image: St. Macrina the Elder and sister of St. Basil and St. Gregory of Nyssa and St. Peter of Sebastea by Isaac Fanous صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة القديسة ماكرينا الأخت الكبرى لكل من القديس باسيليوس و القديس إغريغوريوس أسقف نيصص، والقديس بطرس أسقف سبسطية
St-Takla.org Image: St. Macrina the Elder and sister of St. Basil the Great and St. Gregory of Nyssa and St. Peter of Sebastea by Isaac Fanous

صورة في موقع الأنبا تكلا: أيقونة القديسة ماكرينا الأخت الكبرى لكل من القديس باسيليوس الكبير و القديس إغريغوريوس أسقف نيصص، والقديس بطرس أسقف سبسطية

محاولة نفيه:

بالرغم من الوفاق الظاهري بين الإمبراطور والقديس فإن رفض الأخير قبول الأريوسيين في شركة الكنيسة أدى إلى اقتناع الإمبراطور أن نفي القديس ضروري لسلام الشرق. إذ أُعدت المركبة لرحيله ليلًا بعيدًا عن الأنظار مرض غلاطس بن فالنس فجأة، فأصرت أمه دومينيكا أن يبقى القديس وطلب الإمبراطور من الأسقف أن يصلي لوحيده ليشفى، فاشترط أن يكون عماده بيدٍ أرثوذكسية، وبالفعل شُفيّ لكنه حنث بوعده إذ عمده أسقف أريوسي فمات في نفس اليوم.

مرة أخرى استسلم الإمبراطور لضغط الأريوسيين، وإذ كان يكتب أمر النفي قُصف القلم أكثر من مرة في يده المرتعشة فخاف.

بجانب هذا تعرض لإهانات كثيرة من الحكام الإقليميين، منهم مودستس عدوه القديم، لكنه إذ أصيب بمرض خطير صلى له القديس فشُفيّ وصار من أقرب أصدقائه، وهكذا كانت يدَّ الله تسنده لتحول أعداءه إلى أحباء.

السنوات الأخيرة:

لازم المرض القديس منذ طفولته، وكان يشتد عليه خاصة في السنوات الأخيرة. كما عانى من نياحة كثير من أصدقائه المساندين له مثل القديس أثناسيوس الرسولي (عام 373 م.) والقديس غريغوريوس (والد غريغوريوس النزينزي) عام 374 م.، كما نفيّ أوسابيوس الساموساطي. وقد وجد الأريوسيون فرصتهم للتنكيل بالقديس غريغوريوس أسقف نيصص بعقد مجمع في أنقرا لإدانته وكان الهدف منه جرح مشاعر أخيه.

في 9 أغسطس 378 جُرح فالنس في معركة أدريانوبل ليموت ويحتل غراتيان الكرسي لتنتهي الأريوسية، وكان باسيليوس على فراش الموت فنال تعزية وسلامًا من جهة الكنيسة في لحظاته الأخيرة.

نياحته:

في سن الخامسة والأربعين دعي نفسه "عجوزًا"، وفي السنة التالية خلع كل أسنانه، وبعد سنتين في أول يناير سنة 379 م. سُمع يخاطب الله، قائلًا: "بين يديك أستودع روحي" وفي الحال أسلم الروح، وقد اشترك الكل مسيحيون ووثنيون في جنازته الرهيبة.

كتابات:

1. العقيدة: خمسة كتب ضد أنوميوس، كتاب عن الروح القدس في 30 فصلًا.

2. التفسيرية: الأكسيمارس Hexameron، أي ستة أيام الخليقة في 9 مقالات، 17 مقالًا عن المزامير، تفسير الـ 16 أصحاحًا الأولى لسفر إشعياء.

3. مقالات: 24 مقالًا في مواضيع عقيدية وأدبية ومديح.

4. الرسائل: حوالي 400 رسالة في مواضيع متنوعة تاريخية وعقيدية وأدبية تعليمية وتفسيرية وقوانين، ورسائل تعزية.

5. توجد 3 قداسات باسمه، إحداهم تستخدمه الكنيسة القبطية (وهو القداس الباسيلي).

6. النسكية: القوانين الطويلة والقصيرة (الشائعة والمختصرة)؛ مقالتان عن دينونة الله، والإيمان؛ والأخلاقيات Moralia.

العيد يوم 14 يونيو.

* يُكتب أيضًا: القديس باسيل، باسليوس الكبير.

سيرة حياة البابا غبريال الثالث

+ بعد أن تنيَّح البابا أثناسيوس الثالث، رشح أراخنة القاهرة الأب غبريال، فاختاروه ورسموه قمصًا... ولكن بعض الأراخنة رشحوا يوأنس بن أبى سعيد... فصلوا قداسًا ثم عملوا قرعة هيكلية فسحب اسم غبريال، فنازعه يوأنس وجماعته وأبطلوا القرعة وقدموا يوأنس بطريركًا في 6 طوبه سنة 978 ش. وأقام بطريركًا ست سنين وتسع شهور وتسعة عشر يومًا ثم انزوى في ديره، وتولى مكانه البابا غبريال السادس من 24 بابه سنة 985 ش حتى 6 طوبه سنة 987 ش.، ثم عزل غبريال وأعيد يوأنس بأمر السلطان في 7 طوبه سنة 987 ش.
+ تنيَّح البابا غبريال في مدة رئاسة البابا يوأنس الثانية، فتقدم عليه في جدول الآباء البطاركة.
+ ورغم قصر المدة التي قضاها البابا غبريال على الكرسي المرقسى، إلا أنه قام بتكريس الميرون المقدس.
صلاته تكون معنا آمين.

معلومات إضافية عنه

هو ابن أخت أنبا بطرس بن الراهبة أسقف طنبدي، كرز قمصًا لرسامته بطريركًا، ولكن لم يتم له ذلك بتدخل أنصار الراهب يوحنا (البطريرك رقم 78). ثم بعد رسامة البابا يوأنس السابع وإقامته بطريركًا مدة ست سنوات وتسعة أشهر وتسعة أيام. عُزل وقدم غبريال ورسم باسم البابا غبريال الثالث.

وفي أيامه ألزمت النصارى واليهود من قبل السلطنة بشروط حادة، منها صبغ العمايم باللون الأزرق والمراكيب باللون الأحمر وغير ذلك! وأغلقت الكنايس بمصر والقاهرة أولًا، ثم ساير الأقاليم ما خلا الديارة وكنايس الإسكندرية وبعض البلاد. ولما وصل رسول الإمبراطور ميخائيل الثامن الباليولوجي (قائد أباطرة نيقية، وقد اغتصب المُلك من يوحنا اسكارس الرابع سنة 1256 م.) صاحب القسطنطينية، قام بالشفاعة فيهم ففُتحت كنيسة السيدة العذراء بالمعلقة بقصر الشمع بمصر وكنيسة ميكائيل.

وقام البابا غبريال بعمل الميرون المقدس في كنيسة المعلقة بمصر بحضور الآباء الأساقفة.

سيرة حياة البابا مرقس الثالث


+ كان قبل بطريركيته علمانيًا من أصل شريف سريانى الجنس، كان له شهادة حسنة ليس من المسيحيين فقط بل والمسلمين، كان تقيًا عفيفًا صائمًا مصليًا كثير الصدقات وفعل الخير وكان بتولًا عالمًا في دينه خبيرًا بأمور الكهنوت... ولذا فحينما خلا الكرسي المرقسى أجمع الجميع على رسامته.
+ تتميز فترة بطريركيته بالاضطراب الشديد في الأمن في البلاد المصرية نتيجة للتنافس الشديد بين الوزراء وقادة الجيش وحملات الفرنجة على مصر والتي يطلق عليها الحملات الصليبية.
+ وجدير بالذكر أن صلاح الدين الأيوبى بدأ حكمه كوزير بإتخاذ سياسة عدائية ضد الأقباط ولكن بفضل صلوات البابا مرقس الثالث أصلح الله الحال، فقرب صلاح الدين المسيحيين إليه واستخدمهم في ديوانه وفي أمواله وأنعم عليهم فعادوا إلى أرفع مما كانوا عليه.
تنيَّح بسلام في اليوم الأول من شهر يناير سنة 1189م.
صلاته تكون معنا آمين.

معلومات إضافية

مكث بطريركا لفترة دامت 22.5 سنه، وعاصر نهاية الدولة الفاطمية والخليفة المعاصر وبداية الدولة الأيوبية بزعامة صلاح الدين الأيوبي. كان علمانيا باسم أبو الفرج بن أبي أسعد المعروف بابن زرعة، من أصل شريف سوري الجنس، وكان يتمتع بسمعة طيبة بين الأقباط والمسيحيين، وكان بتولا عالما في دينه، خبيرا في أمور الكهنوت.

تميزت فترة بطريركيته بالاضطراب الشديد في الأمن، امتدادا لفترة الاضطراب التي سبقته، حيث إنها فتره انتقال بين عهدين الفاطميين والأيوبيين، خصوصا مع الهجوم الصليبي على البلاد، ولنعرف عنها شيئا من التفصيلات:

فقد اشتد التنافس بين الوزراء وقادة الجيش أمام الحملات الصليبية على مصر، وكان وزير الخليفة الفاطمي آنذاك هو "طلائع بن رزيك" الذي كان يلقب بالملك الصالح؛ لأنه استولى على السلطة لأنه كان قوى الشخصية، وقتل كل قائد وقف في طريقه أو كان يثير الفتن أو القلاقل، إلا أن الخليفة العاصر نجح في قتله وحل محله ابنه هو، وكان يسمى "العادل". ثم جاءوا إلى الصعيد الذي كان يسمى "شادر" وقتل العادل، وتولى وهو على كرسي الوزارة. ثم ظهر قائد آخر كان أمير البرقة اسمه ضرغام، ومعه فرقة من الجند، وقتل شاور واعتلى كرسي النظارة بما عدة والي الشام المسيحي (عمودي)، فجاء إلى مصر كل من عموزى ومعه قواده نور الدين بحمله كبيرة، كان ضمنها صلاح الدين الأيوبي، والتحم الجمعان الصليبيون والمصريون تحت أسوار القاهرة لعدة أيام، عاد بعدها من أتى من الشام إلى الشام مرة أخرى وتركوا البلاد في حالة فوضى.

إلا أن الشوام أتوا مرة أخرى عندما دخلت حمله صليبية أخرى، وتحاربا على طول النيل حتى المنيا، انتصرت فيها القوات العربية وظل صلاح الدين بقواته شفي مصر.

شرع صلاح الدين في استماله المصريين إليه خصوصا بعد أن خاف الخليفة الناصر الفاطمي لدرجة انه لم يجرؤ على مقابلته، بل حاول المنتصر أن يلجأ إلى الصليبيين ليهاجموا مصر ليخلصوه من صلاح الدين، إلا أن صلاح الدين انتصر عليهم وأصبح هو الخليفة بلا منازع، إلا انه بدا حكمه في شكل وزير حتى يعرف أسرار المجتمع المصري.

وكان صلاح الدين قاسى على الأقباط أول الأمر، وبصلوات البطريرك الأنبا مرقس عاد السلام بين دينهم، واستخدمهم في ديوانه في مراكز رفيعة. وتنيَّح هذا البطريرك في أول يناير 1189.

سيرة حياة البابا مركيانوس

قداسة البابا مركيانوس البطريرك البابا الثامن

البابا المعلم:

كان من مواليد الإسكندرية وكان عميدًا للمدرسة اللاهوتية، وعند نياحة البابا أومانيوس البطريرك السابع أجمع الأساقفة رأيهم على تقديم مركيانوس للكرسي البابوي ورسموه رئيسًا عليهم، فسار في خطة أسلافه واعظًا ومرشدًا لقطيع الرب.

كان مشهودًا له بالأخلاق والفضائل الحميدة وبعلمه وتقواه وتواضعه، وقد ارتقى السدة المرقسية في شهر هاتور سنة 146 م. في عهد الإمبراطور أنطونيوس بيوس، وحقق آمال من انتخبوه من هداية النفوس وتهذيب الأخلاق رغم الاضطهاد الشديد الذي كان مشتدًا على المسيحيين وقتئذ، إلا أنه لم يبالِ بهذا الاضطهاد بل كان شجاعًا في كل المواقف ومبشرًا وواعظًا وحقق مكاسب عظيمة للكرازة المرقسية فأقام على الكرسي راعيًا رعية السيد المسيح تسع سنين وشهرين مداومًا على تعليم رعيته حارسًا لها من التعاليم الغريبة والفلسفات الوثنية إلى أن رقد بسلام كما عاش بسلام في 6 طوبة سنة 155 م.

قد خلفه في نظارة المدرسة اللاهوتية الفيلسوف الذائع الشهرة العلامة بنتينوس.

معلومات عن إِيلِيِّا النبي

إِيلِيِّا النبي

الإنجليزية: Elijah - العبرية: אליהו - في القرآن: إلياس.

اسم عبري ومعناه "إلهي يهوه" والصيغة اليونانية لهذا الاسم هي اليأس وتستعمل أحيانًا في العربية. وهو:

نبي عظيم عاش في المملكة الشمالية. وبما أنه يدعى التشبي فيرجّح أنه ولد في "تشبة" ولكنه عاش في جلعاد (1 مل 17 : 1) وكان عادة يلبس ثوبًا من الشعر (مسوحًا) ومنطقة من الجلد (2 مل 1 : 8) وكان يقضي الكثير من وقته في البرية (1 مل : 17 : 5 وص 19) وبما أن إيزابل ساقت زوجها وشعب بني إسرائيل إلى عبادة البعل فقد تنبأ إيليا بأن الله سيمنع المطر عن بني إسرائيل واعتزل النبي إلى نهر كريت وكانت الغربان تعوله وتأتي إليه بالطعام وبعد أن جفّ النهر ذهب إلى صرفة وبقي في بيت امرأة أرملة، ووفقًا لوعد إيليا لها لم يفرغ من بيتها الدقيق والزيت طوال مدة الجفاف. ولما مات ابن الأرملة صلى إيليا فأعاد الله الحياة إلى الصبي (1 مل ص 17). وفي السنة الثالثة من الجفاف قابل إيليا عوبديا وكيل آخاب وكان مؤمنًا بالله واتفق معه على مقابلة الملك. وطلب النبي من الملك أن يجمع الشعب إلى جبل الكرمل وأن يحضر معه أنبياء البعل وأشيرة ليرى أيهما يرسل نارًا تلتهم المحرقة، الرب أم البعل. فصلّى أنبياء البعل ولكن لم يكن من مجيب لصلاتهم. ولكن دعا إيليا الرب فاستجاب له ونزلت نار من هذه السماء والتهمت المحرقة. ويشير التقليد إلى أن هذه المعجزة تمت على جبل الكرمل في مكان يدعى حاليًا "المحرقة" فاقّر الشعب بأن الرب هو الله الإله الحقيقي. وبناء على أمر إيليا قتل أنبياء البعل. عندئذ أعلن إيليا بأن المطر سوف ينزل وجرى قدام مركبة الملك إلى مدخل يزرعيل (1 مل ص 18).

ولما توعدت إيزابل بقتل إيليا لأنه قتل أنبياء البعل هرب إلى الجنوب إلى بئر سبع وطلب إلى الله أن يأخذ حياته، ولكن الله أرسل إليه ملاكًا ليشجعه وليعطيه طعامًا وماء. وبقوة هذه الأكلة أمكنه أن يسافر مدة أربعين يومًا إلى جبل حوريب الذي يدعى أيضًا جبل سيناء ويقول التقليد أن المغارة التي على جبل موسى هي المكان الذي أقام فيه إيليا، ثم هناك أتى الرب بالريح والزلزلة والنار ولكنه في النهاية تكلم إلى إيليا في صوت منخفض خفيف. ثم بعث الله إيليا ليمسح ياهو ملكًا على إسرائيل وليمحو شر بيت آخاب وعبّاد البعل، وليمسح حزائيل ملكًا على آرام وليمسح أليشع نبيًا ليخلفه (1 مل ص 19).

وقد دبرت إيزابل قتل نابوت ليرث زوجها آخاب كرم نابوت. ولما دخل آخاب ليأخذ الكرم قابله إيليا وتنبأ بالموت الشنيع الذي سيموته آخاب وإيزابل وكذلك أنبأ بمحو بين آخاب (1 مل ص 21).

وسقط احزيا ابن آخاب وخليفته على العرش من النافذة فمرض، وأرسل رسلًا ليسألوا بعل زبوب إله عقرون عن شفائه فقابل إيليا الرسل وأرجعهم إلى السامرة فأرسل اخزيا ضابطًا مع خمسين رجلًا ليأخذوا إيليا ولكنه صلى فأتت النار من السماء والتهمت الضابط والخمسين رجلًا معه. وحدث ذات الأمر مع ضابط ثاني وخمسين رجل آخرين. أما الضابط الثالث الذي أُرسل إليه لأخذه فإنه تضرع لأجل حياته وحياة رجاله الخمسين فذهب معه إيليا إلى الملك اخزيا وأنبأه بأنه مادام قد حاول أن يستشير إلهًا وثنيًا فإنه سيموت حالًا. وهكذا حدث وتمت هذه النبؤة (2 مل ص 1). ويسجل لنا 2 أخبار 21-15 رسالة من إيليا إلى الملك يهورام ملك يهوذا، فيها ينتقد إيليا سلوك الملك وشروره وينذره بمرض يأتي عليه وبموته.

وفي نهاية أيامه ذهب إلى الأردن مع أليشع وضرب إيليا الأردن بردائه فانشق الماء وسار النبيان على اليابسة ثم جاءت مركبة وفرسان نارية وحملت إيليا إلى السماء وترك ردائه لأليشع (2 مل 2 : 1-18).

وقد وردت آخر إشارة إلى إيليا في العهد القديم في ملا 4 : 5 و6 والتي فحواها أن الرب سيرسل إيليا النبي قبل يوم الرب العظيم. ويترك بعض اليهود مقعدًا خاليًا على مائدة عيد الفصح لإيليا.

أما في العهد الجديد فقد وعد الملاك أن يوحنا المعمدان سيتقدم المسيح برؤيا إيليا وقوته (لو 1 : 17) وفي هذا المعنى قال المسيح أن إيليا قد جاء في شخص يوحنا المعمدان (مت 11 : 14 و17 : 10 - 12) وقد ظن بعض الناس خطأ أن يسوع نفسه هو إيليا (مت 16: 14) وفي عظته التي ألقاها في الناصرة أشار يسوع إلى إقامة إيليا في بيت أرملة صرفة (لو 4 : 26 و27) وقد ظهر إيليا وموسى مع يسوع عند التجلي (لو 9: 28-36 وغيره من الأناجيل). وكان يعقوب ويوحنا يفكران فيما حدث لجنود اخزيا (2 مل ص 1) عندما طلبا من يسوع إذا ما كانا يدعوان أن تنزل نار على السامريين ولكن يسوع وبخهما على ذلك (لو 9: 54 و55) ويشير بولس إلى تشجيع الرب لإيليا بأن مؤمنين كثيرين كانوا بين بني إسرائيل في أيام إيزابل وآخاب (رو 11: 2-4) ويذكر يعقوب (ص 5: 17 و18) وصلاة إيليا لأجل امتناع المطر لأجل امتناع المطر وصلاته لأجل نزول المطر كمثال لقوة صلاة البار.

سيرة حياة البابا متاؤس الأول البابا السابع والثمانون

قداسة البابا متاؤس الأول البابا السابع والثمانون

في القرن الرابع عشر لم تكن الكنيسة تخرج من محنة إلا لتجوز أخرى، وكأنّ أبواب الجحيم قد فتحها الشيطان ونسي عدو الخير الوعد الإلهي الصادق "أبواب الجحيم لن تقوى عليها".

نشأته:

في نهاية القرن الرابع عشر ترأس الكنيسة عملاق ممن بلغوا الذروة في الكمال والقداسة، إذ شابَه القديس أثناسيوس بولعه بممارسة الشعائر الدينية في صغره. وشابه الأنبا شنودة رئيس المتوحدين في أنه كان يرعى الغنم ويوزع طعامه على الرعاة لينصرف للصلاة وكانت الوحوش ترهبه عند رؤياه أو حتى تسمع صوته بل وكان بعضها يستأنس به في البرية. وشابه الأنبا أنطونيوس في ظهور الشياطين له دون أن يرهبها، ومتقشفًا مثل الأنبا بولا أول السواح. كان أشبه بملاكٍ يلبس صورة إنسان، عاش بين الناس أكثر من نصف قرن وكان كما من ظهورات الملائكة.

رهبنته:

ترهب البابا متاؤس الأول -الشهير بالمسكين- في دير بالصعيد وهو في الرابعة عشر من عمره وظل راعيًا للغنم يصوم معظم الوقت ولا يأكل سوى أقل القليل في الصيف والشتاء، وقد كان أسقف المنطقة يرقبه دون أن يعرف، ولما بلغ الثامنة عشر كرسه قسًا راهبًا. وهو غير القديس متاؤوس (متى) المسكين الذي من دير "الفاخورى" بأصفون المطاعنة شمال غرب مدينة إسنا بصعيد مصر، المشهور بصداقته للوحوش.

هروبه إلى دير الأنبا أنطونيوس:

هرب من الكرامة إلى دير أنبا أنطونيوس دون أن يعلن أنه كان كاهنًا وخدم كشماس ولكن الله كشفه أمام إخوته. تارة إذ كان يقرأ الإنجيل المقدس خرجت يد من الهيكل وقدمت له البخور ثلاث مرات واختفت، ففهم الأخوة مكانته الكهنوتية ومستقبل أيامه.

هروبه إلى بيت المقدس ثم عودته إلى الدير:

هرب مرة ثالثة إلى القدس وانشغل بتشييد المباني نهارًا والعبادة ليلًا. ولما ذاعت فضائله عاد إلى أحضان أب الرهبان ثانية ووصل إلى رئاسة الدير، وأثناء تضييق الخناق على الأقباط كان من نصيبه ومن نصيب الشيخ مرقس الأنطوني القبض عليهما والنقل إلى القاهرة وسط الإهانات والضرب. ولما لم يسمح لهما الحراس بالماء أسعفتهما السماء بمطرٍ غزيرٍ وسط الصيف! وحالما وصلا إلى مقر سجنهما صدر الأمر بإطلاق سراحهما فعاد القديسان إلى الدير، وانتقل أبونا المسكين إلى دير المحرق ليعمل أعمال القديسين من غسل وطهي وكنس وخدمة المرضى والشيوخ والزوار.

إنقاذ ضبعة صغيرة:

حدث في إحدى المرات أن كان أبونا المسكين في خلوته في الصحراء وإذا بضبعه تقترب منه وتقوده إلى حيث لا يدرى وإذا بها تصل به إلى مغارة فيدخلها معها وينظر فإذا بالضبعة الصغيرة ابنة الكبيرة ساقطة في بئر جاف فينزل وينقذها وسط مظاهر فرح الضبعة الأم.

سيامته بطريركًا:

كان الأراخنة والأساقفة يتباحثون في من يعتلى السدة المرقسية، وحالما سمع أن اسمه ذُكِر هرب واختفي في قاع مركب فأنطق الله طفلًا يرشد الباحثين عنه. ولما قبضوا عليه قطع لسانه لكي يظهر ناقصًا ولكن الكرامة الإلهية أكملت ضعفه في الحال وعاد لسانه سليمًا فلم يجد مفرًا من القبول بعد استشارة شيوخ الدير، وهكذا انتقل من رعاية الغنم إلى رعاية القطيع البشري في مراعي ملكوت السموات وسط الضيق، وتمت مراسم السيامة في المرقسية بالإسكندرية في 25 يوليو سنة 1378 م.

تواضعه:

لم تغيره رتبة البطريركية عن تواضعه ونسكه وسهره وصلواته وخدماته للكل خصوصًا الرهبان والراهبات إذ كان حنانه قويًا عليهم كأبٍ. وقد وضع جرسًا في منارة القلاية البطريركية بحارة زويلة لينبه به المؤمنين إلى الصلاة ولا يزال هذا الطقس موجودًا إلى الآن في الأديرة خصوصًا في تسبحة نصف الليل.

مع محبته لشعبه وتواضعه كان يعاون العمال في أدنى الأعمال، لكنه كان مهوبًا للغاية. حين يقف أمام الهيكل يسطع وجهه بنورٍ سماويٍ وتلمع عيناه جدًا، متطلعًا إلى السيد المسيح الذي كثيرًا ما كان يظهر له.

ليس غريبًا أن نجد أن المخازن تمتلئ وسط الضيقة والمجاعة وتتحول البطريركية إلى مصدر لإطعام الجميع في مصر دون تفريق، والعجيب أن الذي "أكل خبزي رفع عليَّ عقبه" فكان الذي يشبعون من خير القبط يتحولون ليخربوا الكنائس.

امتاز هذا البطريرك بالشفافية العجيبة ورؤية الأحداث قبل وقوعها. فقد حذر الرهبان من المجاعة كما حذر كثيرين من سوء أفعالهم. وسقط شماس ميتًا عندما كذب وأخفي وثيقة ملكية حديقة ليتامى.

كان صاحب المشورة الصالحة للحكام ولكل من يلجأ إليه. وقد حدث ذات مرة أن أحد البنائين في كنيسة حارة زويلة وقع من أعلى الكنيسة ووقع عليه الحجر الذي يحمله فمات، ولما علم البابا رفعه إلى حيث أيقونة القديسة العذراء مريم شفيعته وصلى ورش عليه الماء فكان كل جزء ينزل عليه الماء يتحرك وقام الميت.

حاول الرعاع كالعادة - رغم تدخل الوالي - أن يحرقوا كنيسة العذراء المعروفة بالمعلقة وكان البابا بالدير، ورموا جمرة متقدة وعندما همَّ الرهبان بإطفائها ساعدتهم السماء إذ أمطرت بغزارة. وحاول المعاندون مرة أخرى حرق دير شهران فسارع البابا إلى الدير وواجههم بذاته وحده صارخًا: "من منكم له سلطان فليقتلني أولًا" فهرب الجميع.

اهتمامه بأولاده:

كان ساهرًا على رعيته، يزورهم ويقضى حاجات المعوزين منهم ويوصى رجال الحكم علي أولاده فنالوا بفضله إكرامًا وتكريمًا، ومن كان منهم في ضيقة أمام رئيسه كانت تتحول إلى نعمة بفضل صلواته. إذ أنكر أحد الرهبان الإيمان وكان عنيفًا يفتري على الرهبان لدى الحكام سأله البعض أن يدعو عليه، أما هو فقال لهم أنه يدعو له ليرده الله إلى الإيمان ويمنحه إكليل الاستشهاد، وقد تحقق له ذلك.

وهبه الله أيضًا نعمة إخراج الشياطين لأن من كان طعامه الصلاة والصوم قوته ترهبه الشياطين.

علاقته بالسلطان برقوق:

كان الشعب يأتي إليه للاستشارة في كل أمورهم الخاصة من أجل حكمته السماوية، حتى السلطان برقوق لم يقبل السلطنة إلا بعد استشاراته، الذي بدوره طلب صلوات الأب مرقس الأنطوني.

لما خلع المملوكان الأميران منضاش ويلبغا السلطان برقوق ونفوه إلى سوريا حاولوا أن يعيثوا فسادًا في مصر عامة ومع الأقباط خاصة ولم يسلم من أيديهم. قام الأول بتعذيب البابا الذي احتمل بشجاعة أخجلت الأمير. أما الثاني فكان عنيفًا في اضطهاده فتحدث معه البابا بشجاعة. فقام بحبسه وأمر بضرب عنقه بالسيف. وإذ قدم البابا رقبته قائلًا: "اضرب سريعًا" ذهل الأمير وأطلقه. وقد سُجن يُلبغا ومات سجينًا بالإسكندرية.

لم تنقض فترة وانقلب المتآمرون على أنفسهم وعاد برقوق إلى مصر وسط تهليل الجميع وعلى رأسهم البابا القبطي وكهنته.

وعندما أراد السلطان برقوق توطيد العلاقة مع أثيوبيا لم يجد سوى البابا القبطي وسيلة لإحلال السلام، فلم يكتب البابا إلى الملك الذي كان على العرش، وكان يدعى "ويدم أصغر" وكان شريرًا، بل كتب لأخيه داود، وعندما تحير حاملو الرسالة نصحهم بعدم التسرع بالحكم عليه، فلما وصلوا إلى أثيوبيا وجدوا أن الملك المغتصب كان قد عُزِل وحل محله من كتب إليه البابا الخطاب. ففرح بالرسالة وسألهم: "أين هديتا البابا: الصليب والمنديل؟" وإذ تعجبوا كيف عرف ذلك قال لهم أنه رأي البابا داخلًا عليه وقد أعطاه صليبًا ومنديلًا هدية، وقد كانت رسالة البابا إليه بالحقيقة كما رأى في رؤياه.

مات برقوق وتولى ابنه الناصر فرج فسلك مسلك أبيه، لكن الأمير سودون اغتصب منه الحكم، وكان عاتيًا، وقد تآمر من رفاق الشر على القضاء على الأقباط. فاعتكف البابا في كنيسة الشهيد أبى سيفين لمدة سبعة أيام بأصوامٍ وصلواتٍ حتى ظهرت له القديسة مريم وطمأنته، فخرج وجهه يسطع كملاكٍ، وإذ طلبه سودون صارحه بكل ما كان ينوي عليه ضد الأقباط ثم أطلقه.

تكرر الضغط على القبط فوجَّه إلى الأمير العاتي الملاك ميخائيل فأرداه قتيلًا. وعندما حاول أمير المماليك جمال الدين الفتك بالبابا شخصيًا وأرسل في طلبه صرف البابا الرسل مكرمين طالبًا أن يمهلوه إلى اليوم التالي، وعندما عادوا إليه في اليوم التالي كان قد لبى نداء السماء وفاضت روحه الطاهرة. لكن الله سمح بغضب السلطان عبد العزيز بن برقوق على الأمير فأخذ ماله وأمر الجنود بضربه حتى مات.

حسب وصية البطريرك، الذي كان قد أعلن لتلاميذه موعد انتقاله دفن في دير الخندق (الأنبا رويس حاليًا)، وكانت نياحته في 31 ديسمبر من سنة 1408 م.

من العجيب أنه في ليلة وفاة البابا سُمِع من رفات القديسين في دير الأنبا مقار صوت قائل "قوموا افتحوا الباب لأن متاؤس قد حضر"، ولما عرف الرهبان الخبر علموا بالروح أنه انتقل إلى الأمجاد. هذا وقد رؤي البابا يبخر بين الموتى بعد رقاده، وكأنه يجول مفتقدًا أولاده بعد رقاده، وبالحقيقة فان خدام الله يخدمونه في كل وقت حتى وبعد انتقالهم، فإنهم أرواح خادمة.

سيرة حياة البابا ثيئودوسيوس الثانى

اختيار الراهب ثيئودوسيوس للبطريركية:
بعد خلو الكرسي البطريركي بنياحة البابا يوأنس السابع لمدة سنة كاملة وثلاثة أشهر وتسعة عشر يوماً، اجتمع الأساقفة من كل الإيبارشيات في الدار البطريركية، واستدعوا أراخنة الشعب وبحثوا معهم مَن يليق للرئاسة، فوقع اختيارهم على الراهب ثيئودوسيوس من دير أبَّا فانا.
وكان الراهب ثيئودوسيوس قبلاً يُدعى ”عبد المسيح“، وهو من أهالي منية بني خصيم. فكُرِّس قسّاً في ديره، وقُدِّم بطريركاً في يوم الأحد 10 أبيب سنة 1010ش/ 4 يوليو سنة 1294م، وذلك في أيام الناصر بن قلاوون.
هدوء حركة الاضطهاد في عهده:
وقد هدأت في أيامه حركة الاضطهادات التي أُثيرت على الأقباط في عهد البابا يوأنس السابع سَلَفه، وابتدأت البلاد تنتعش. ولكن لم تكن قلوب الأقباط تأتلف مع هذا البابا، حيث كان ارتقاؤه إلى الكرسي البطريركي يُخالف الناموس والشريعة، إذ اختير من غير اختيارهم، بل فُرِضَ عليهم فرضاً.
أخلاقه الخاصة:
كان غبطته مُحبّاً لأخذ الرشوة، وأقام الشعب مدة لا يذكرون اسمه، بل كانوا يتلون اسم البطريرك الذي كان قبله. وقد حدث في أيام بطريركيته فناء عظيم في البلاد وغلاء فاحش في أثمان الحاجيات حتى اضطر الناس إلى أكل المِيتة.
عمل الميرون المقدس:
وقام البابا ثيئودوسيوس في سنة 1015ش/ 1299م بعمل الميرون المقدس في كنيسة القديس مرقوريوس أبي سيفين بمصر القديمة في أسبوع البصخة المقدسة (من يوم الاثنين 18 برمودة سنة 1015ش).
وأتمُّوا طبخه في يوم الخميس المقدس 21 برمودة. وقد اشترك مع البابا في هذا العمل المقدس اثنا عشر أسقفاً من الوجهين القبلي والبحري.
نياحته:
وظل البابا ثيئودوسيوس على الكرسي البطريركي 5 سنوات و5 أشهر و28 يوماً، حيث تنيَّح في يوم 5 طوبة سنة 1016ش/ أول يناير سنة 1300م. وكان ذلك في أيام الملك الناصر محمد بن قلاوون.
وخلا الكرسي من بعده لمدة شهر وأربعة عشر يوماً، ودُفِنَ في دير النسطور بالبساتين.
بركة صلواته تكون معنا، آمين.

سيرة حياة الشهيد بانيكاروس الفارسي

الشهيد بانيكاروس الفارسي

تحتفل الكنيسة بعيده في الخامس من طوبة. لعله هو بعينه أناطوليوس المذكور تحت 12 طوبة في السنكسار  بعد القديس تادرس المشرقي مباشرة، بكونه صديقه وشريكه في العمل كما في الشهادة.

كان من بلاد الفرس، أُقيم رئيسًا للجند، وكان محبوبًا لدى الملوك بسبب شجاعته. في عهد الإمبراطور دقلديانوس، إذ كان نائمًا أبصر رؤيا كأنه قد ارتفع إلى السماء وقام إثنان من جيش الروم بتعميده في بحيرة نارية هما تادرس المشرقي وليونديوس العربي (في سنكسار رينيه باسيه "الغربي")، وكأن الأول قد تسلمه ابنا له. في الغد رأى بانيكاروس الفارسي الرجلين اللذين رآهما في الحلم قد جاءا فعلًا، وأخذاه معهما من فارس إلى بلاد الروم، وقد روى الثلاثة أنهم نظروا ذات الرؤيا في ليلة واحدة فتعجبوا.

التصق الثلاثة معًا برباط حبٍ روحي، وكانوا يمارسون الحياة التعبدية علانية في وسط الجيش، الأمر الذي أثار دقلديانوس ومكسيميانوس فأرسلا وراءهم يستدعونهم، وإذ عرفا أن بانيكاروس فارسي خشيا لئلا تحدث عداوة بينهما وبين ملك الفرس بسببه فأرادا التخلص منه، لذا أرسلاه إلى رومانيوس والي الإسكندرية لكي يلاطفه أولًا بكل وسيلة لعله يجحد مسيحه وإلا فيعذبه ويقتله.

في الإسكندرية:

اقتاده أربعة من الجند إلى رومانيوس، وهناك أمر الوالي بطرحه في السجن حيث ظهر له السيد المسيح، يقول له: "يا حبيبي بانيكاروس، السلام لك! تشدد واغلب، فإن سلامي يكون معك". سجد القديس بانيكاروس أمام السيد المسيح، فباركه الرب وشجعه أن يبكت الوالي على شره، وألا يخاف من عذاباته. وفي الغد استدعى الوالي القديس بانيكاروس الذي تعجب لجمال طلعته ومهابته، وإذ رأى ثباته على الإيمان صار يعذبه تارة بوضعه على كرسي مملوء بالمسامير، وأخرى بوضع قطعة حديد محماة على رأسه، وثالثة بإشعال نيران تحته. وكان الرب يسنده ويشفيه.

وسط العذابات جاءت إليه الجماهير تقدم المرضى، فكان يصلي عنهم والرب يشفيهم، وكانت شياطين كثيرة تخرج من كثيرين باسم السيد المسيح.

سمع تاوغنسطس، أحد الأمراء بالخمس مدن، وكان معلمًا لأولاد الملوك، عن هذا الشهيد وعمل الله على يديه، فسأله من أجل ابنه الوحيد الذي به روح شرير، عندئذ طمأنه القديس بانيكاروس، سائلًا إياه أن يعود إلى بيته.

انطلق الأمير إلى بيته بينما صنع الوالي أتونًا وألقى فيه القديس بانيكاروس فجاء رئيس الملائكة ميخائيل وأصعده من الأتون وانطلق به إلى دار الأمير تاوغنسطس حيث اخرج الروح الشرير بعد رشمه بعلامة الصليب، فأمن الأمير وأهل بيته.

طلب رومانيوس من الجند أن ينظروا ما فعلت النيران ببانيكاروس. واذ اقترب الجند مات عدد منهم وأصيب البعض بحروق، لكن الوالي استراح إذ ظن أن الآلهة قد انتقمت من بانيكاروس فلم تترك شيئًا من عظامه. ولم يمضِ إلا القليل حتى جاءه الخبر بأن بانيكاروس في بيت الأمير تاوغنسطس.

استدعى الوالي الشهيد، وإذ رأته الجماهير هتف الكثيرون يعلنون إيمانهم بالمسيح المخلص، وإذ خشيّ الوالي من الثورة ألقى الشهيد في السجن حيث ظهر له السيد المسيح وطمأنه انه سينال البركات السماوية مع صديقيه تادرس وليونديوس.

في الغد أمر الوالي بتعليق الشهيد منكس الرأس وأن يُربط حجر كبير في عنقه، وتوقد النيران تحت وجهه، فأرسل ملاكه وخلصه.

أُرسل إلى السجن فأتت الجماهير بمرضاها، وتحول السجن إلى مستشفي لعلاج الكثيرين باسم الرب. بعد عذابات كثيرة خلالها آمن كثيرون قُطعت رأسه ليحمله الأمير إلى داره.